غرائب القرآن و رغائب الفرقان
القراءات: { تذكرون } بتخفيف الذال حيث كان: حمزة وعلي وخلف وعاصم غير أبي
بكر وحماد فحذفوا إحدى التاءين. الباقون: بالتشديد لأجل إدغام تاء التفعل في الذال { وأن
هذا } بسكون النون. ابن عامر ويعقوب { وإن هذا } بكسر الهمزة وتشديد النون: حمزة
وعلي وخلف، الباقون: { وأن } بالفتح والتشديد { صراطي } بفتح الياء: ابن عامر والأعشى
والبرجمي { فتفرق } بتشديد التاء: البزي وابن فليح { أن يأتيهم } بالياء التحتانية وكذلك في
النحل: علي وحمزة وخلف. الباقون: بالتاء الفوقانية. { فارقوا } وكذلك في الروم: حمزة
وعلي الباقون { فرقوا } بالتشديد { عشر } بالتنوين { أمثالها } بالرفع: يعقوب. الباقون
بالإضافة { ربي إلي } بفتح ياء المتكلم: أبو عمرو وأبو جعفر ونافع، { قيماً } بكسر القاف
وفتح الياء: ابن عامر وحمزة وعلي وخلف وعاصم غير المفضل. الباقون: بالعكس مع
تشديد الباء. { محياي } بالسكون { مماتي } بالفتح: أبو جعفر ونافع. الباقون: بالعكس.
{ وأنا أوّل } بالمد: نافع وأبو جعفر.
الوقوف: { شيئاً } ط للحذف أي وأحسنوا بالوالدين { إحساناً } ج لابتداء النهي مع
احتمال العطف أي وأن لا تقتلوا، { من إملاق } ط. { وإياهم } ج للعطف مع العارض.
{ وما بطن } ط للفصل بين الحكمين المعظمين مع اتفاق الجملتين { بالحق } ط لانتهاء بيان
الأحكام إلى توكيد الإيصاء للأحكام { تعقلون } ه { أشده } ج للفصل بين الحكمين
{ بالقسط } ط لاحتمال ما بعده الحال أو الاستئناف { ذا قربى } ج لتناهي جواب "إذا" وتقدّم
مفعول { أوفوا } { تذكرون } ه لمن قرأ { وإن هذا } بالكسر. { فاتبعوه } ج للفصل بين
النقيضين معنى مع الاتفاق نظماً. { عن سبيله } ط { تتقون } ه { يؤمنون } ه { ترحمون } ه
لا لأن التقدير فاتبعوه لئلا تقولوا { من قبلنا } ص. { لغافلين } ه لا للعطف { أهدى منهم }
ج للفاء مع أن "قد" لتوكيد الابتداء. { ورحمة } ج للاستفهام مع الفاء { وصدف عنها } ط
{ يصدفون } ه { بعض آيات ربك } ط { خيراً } ط { منتظرون } ه { في شيء } ط
{ يفعلون } ه { أمثالها } ج لابتداء شرط آخر مع العطف { لا يظلمون } ه { مستقيم } ج
لاحتمال أن { دينا } نصب على البدل من محل { إلى صراط } أو على الإغراء أي الزموا.
{ حنيفاً } ج لابتداء النفي مع اتحاد المعنى { المشركين } ه { العالمين } ه لا. { لا شريك
له } ج { المسلمين } ه { كل شيء } ط لانتهاء الاستفهام إلى الإخبار { إلا عليها } ج
لتفصيل الأمرين على التهويل مع اتفاق الجملتين { أخرى } ج لأنّ "ثم" لترتيب الإخبار مع
اتحاد المقصود { تختلفون } ه { آتاكم } ط { العقاب } ز للتفصيل بين تحذير وتبشير
والوصل للعطف أوضح { رحيم } ه.
التفسير: لما بين فساد ما يقوله الكفار في باب التحليل والتحريم أتبعه البيان الشافي
في الباب فقال: { قل تعالوا } وهو من الخاص الذي صار عاماً لأن أصله أن يقوله من كان
في مكان عالٍ لمن هو أسفل منه. و "ما" في قوله: { ما حرم } إما منصوب بفعل التلاوة أي أتل الذي حرمه ربكم فالعائد محذوف. وقوله: { عليكم } يكون متعلقاً بـ { أتل } أو
بـ { حرم } وإما منصوب بـ { حرم } على أن "ما" استفهامية فلا راجع. والمعنى أقل أي
شيء حرم لأن التلاوة نوع من القول وتقديم المفعول للتخصيص. فإن قيل: قوله { أن لا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً } كالتفصيل لما أجمله في قوله: { ما حرم } فيلزم أن
يكون ترك الشرك والإحسان إلى الوالدين محرماً. فالجواب أن المراد من التحريم البيان
المضبوط، أو الكلام تم عند قوله: { ما حرم ربكم } ثم ابتدأ فقال: { عليكم أن لا تشركوا }
أو "أن" مفسرة أي ذلك التحريم هو قوله: { لا تشركوا } وهذا في النواهي واضح، وأما
الأوامر فيعلم بالقرينة أن التحريم راجع إلى أضدادها وهي الإساءة إلى الوالدين وبخس
الكيل والميزان وترك العدل في القول ونكث عهد الله. ولا يجوز أن يجعل "أن" ناصبة وإلا لزم عطف الطلب أعني الامر على الخبر. واعلم أنه سبحانه بيّن فرق المشركين في هذه السورة أحسن بيان، وذلك أن منهم من يجعل الأصنام شركاء لله تعالى فأشار إليهم بقوله:
{ وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناماً آلهة } [الأنعام: 74] ومنهم عبدة الكواكب الذين
أبطل قولهم بقوله: { لا أحب الآفلين } [الأنعام: 76] ومنهم القائلون بيزدان واهرمن
ومنهم الذين يقولون الملائكة بنات الله والمسيح ابن الله وزيف معتقدهم بقوله: { وجعلوا لله
شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم } [الأنعام: 100] ثم عمم النهي
بقوله: { لا تشكروا به شيئاً } ثم حث على إحسان الوالدين وكفى به خصلة شريفة أن جعله
تالياً لتوحيده. ثم أوجب رعاية حقوق الأولاد بعد رعاية حقوق الوالدين. ومعنى { من
إملاق } أي من خوف الفقر كما صرح بذلك في الآية الأخرى { { ولا تقتلوا أولادكم خشية
إملاق } [الإسراء: 31] كانوا يدفنون البنات أحياء بعضهم للغيرة وبعضهم لخوف الإملاق
وهو السبب الغالب فلذلك أزيل الوهم بقوله: { نحن نرزقكم وإياهم } فكما يجب على
الوالد الاتكال في رزق نفسه على الله فكذا القول في حال الولد، قال شمر: أملق لازم
ومعتد. أملق الرجل إذا افتقر، وأملق الدهر ما عنده إذا أفسده. وإنما قال ههنا: { نحن
نرزقكم وإياهم } وقال في سبحانه بالعكس لأن التقدير في الآية من إملاق بكم نحن نرزقكم
وإياهم، وهناك زيدت الخشية التي تتعلق بالمستقبل فالتقدير خشية إملاق يقع بهم نحن
نزرقهم وإياكم، ثم نهى عن قربان الفواحش كلها. ومعنى ما ظهر منها وما بطن كما مر في
قوله: { وذروا ظاهر الإثم وباطنه } [الأنعام: 120] وفيه أن الإنسان إذا احترز عن المعصية
في الظاهر ولم يحترز عنها في الباطن دل على أن احترازه عنها ليس لأجل عبودية الله تعالى
وامتثال أمره ولكن لأجل الخوف من مذمة الناس. ثم أفرز من جملة الفواحش قتل النفس
المحرمة تنبيهاً على فظاعتها ولما نيط بها من الاستثناء وهو قوله { إلا بالحق } وذلك أن قتل
النفس المحرمة قد يكون حقاً لجرم صدر عنها كما جاء في الحديث " لا يحل دم امرىءٍ مسلم
إلا لإحدى ثلاث كفر بعد إيمان وزنا بعد إحصان وقتل نفس بغير حق" وينخرط في سلكه
جزاء قاطع الطريق. والحاصل أن الأصل في قتل النفس هو الحرمة وحله لا يثبت إلا لأمر
منفصل. ثم لما بيّن النواهي الخمسة أتبعه الكلام الذي يقرب إلى القلوب القبول فقال:
{ ذلكم وصاكم } لما في لفظ التوصية من الرأفة والاستعطاف. ومعنى { لعلكم تعقلون }
لكي تعقلوا فوائد هذه التكاليف ومنافعها في الدين والدنيا. ثم ذكر أربعة أنواع أخر من
التكاليف وذلك قوله: { ولا تقربوا مال اليتم إلا بالتي } أي بالخصلة أو الطريقة التي { هي
أحسن } وهي السعي في تثميره وإنمائه ورعاية وجوه الغبطة لأجله كما مر في أول سورة
النساء { حتى يبلغ أشده } أي احفظوا ماله إلى هذه الغاية أي أوان الاحتلام ولكن بشرط أن
يؤنس منه الرشد. قال الفراء: واحد الأشد شدته في القياس ولم يسمع. وقال أبو الهيثم:
الواحد شدّة كأنعم في نعمة، والشدّة القوّة ومنه قولهم: "بلغ الغلام شدّته" وقيل: إنه
واحد جاء على بناء الجمع كآنك ولا نظير لهما { وأوفوا الكيل والميزان بالقسط } بالعدل
والسوية. وإيفاء الكيل إتمامه خلاف البخس. وقوله: { والميزان } أي الوزن بالميزان. فإن
قيل: إيفاء الكيل والوزن هو عين القسط فما فائدة التكرار؟ قلنا: أمر الله المعطى بإيفاء إيتاء
ذي الحق حقه من غير نقصان وأمر صاحب الحق بأخذ حقه من غير طلب الزيادة. ثم قال:
{ لا نكلف نفساً إلا وسعها } ليعلم أن الواجب هو القدر الممكن من العدالة والسوية
لا التحقيق المؤدي إلى الحرج والعسر. فزعمت المعتزلة ههنا أن هذا القدر من التضييق
حيث لم يجوزه الله تعالى فكيف يكلف الكافر الإيمان مع أنه لا قدرة له عليه أو يخلق القدرة الموجبة للكفر والداعية المقتضية له ثم ينهاه عنه وعورض بالعلم والداعي كما تقدّم مراراً
{ وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان } المقول له أو عليه { ذا قربى } حمله المفسرون على أداء
الشهادة وعلى الأمر والنهي والأولى أن يحمل على الأقوال كلها ويدخل فيه قول الرجل في
الدعاء إلى الدين. وتقرير الدلائل عليه بأن يذكر الدليل مخلصاً عن الحشو ومبرأ عن النقص
ومجرداً عن العصبية والجدال على مقتضى الهوى والتشهي، وكذا الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر، وكذا الحكاية الرواية والرسالة. وحكم الحاكم بحيث يستوي فيه بين القريب
والبعيد ولا ينظر إلا إلى رضا الله، وختم الأوامر بقوله: { وبعهد الله أوفوا } كما قال:
{ أوفوا بالعقود } [المائدة: 1] ويندرج في هذه الخاتمة بالحقيقة جميع الأنواع المذكورة
{ وإن هذا صراطي } من قرأ بالفتح والتخفيف فبإعماله في ضمير الشأن والتقدير: تعالوا أتل
ما حرم وأتل أنه هذا صراطي، وكذا فيمن قرأ بالتشديد وبالفتح إلا أن ضمير الشأن لا يقدر.
وإن شئت جعلتها خفضاً متعلقاً بما قبله أي ذلكم وصاكم به وبأن هذا، أو بما بعده والتقدير
وبأن هذا صراطي مستقيماً { فاتبعوه } ومن كسر فلأن التلاوة في معنى القول أو على
الاستئناف والمعنى اتبعوا صراطي أنه مستقيم { ولا تتبعوا السبل } المختلفة في الدين من
اليهودية والنصرانية والمجوسية وسائر البدع والضلالات { فتفرق بكم } الباء للتعدية أي
فيفرقكم ذلك الأتباع { عن سبيله } المستقيم وهو دين الإسلام. وعن ابن مسعود عن النبي
صلى الله عليه وآله أنه خط خطاً ثم قال: هذا سبيل الرشد. ثم خط عن يمينه وعن شماله
خطوطاً ثم قال: هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه، ثم تلا هذه الآية. فهذه
الآية بالحقيقة إجمال لما في الآيتين المتقدمتين ولهذا ختمها بالتقوى التي هي ملاك العمل
وخير الزاد وختم الأولى بقوله { لعلكم تعقلون } لأنها أمور ظاهرة جلية يكفي في تعقلها
أدنى مسكة وعقل، وختم الثانية بقوله: { لعلكم تذكرون } لأن المذكور فيها أمور خفية
تحتاج إلى التدبر والتذكر حتى يقف فيها على موضع الاعتدال. أو نقول: الأمور الخمسة
المذكورة في الآية الأولى كلها عظام جسام وكانت الوصية بها من أبلغ الوصايا فختم الآية
بما في الإنسان من أشرف السجايا وهو العقل الذي امتاز به الإنسان عن سائر الحيوان، وأما
المذكورة في الثانية فأشياء يقبح تعاطيها وارتكابها وكانت الوصية بها تجري مجرى الزجر
والوعظ فختمها بقوله: { تذكرون } أي تتعظون بمواعظ الله تعالى.
قوله: { ثم آتينا موسى الكتاب } معطوف على { وصاكم } فسئل كيف صح عطفه عليه
بثم والإيتاء قبل الوصية بدهر طويل؟ وأجيب بأن التكاليف التسعة المذكورة تكاليف
لا تختلف بحسب اختلاف الشرائع كما روي عن ابن عباس أن هذه الآيات محكمات لم
ينسخهن شيء من جميع الكتب، وقيل: إنهن أم الكتاب من عمل بهن دخل الجنة ومن
تركهن دخل النار، وعن كعب الأحبار: والذي نفس كعب بيده إن هذه الآيات لأول شيء
في التوراة. وأما الشرائع التي كانت التوراة مختصة بها فهي إنما حدثت بعد تلك التكاليف
التسعة فكأنه قيل: ذلكم وصاكم به يا بني آدم قديماً وحديثاً، ثم أعظم من ذلك أنا آتينا
موسى الكتاب وأنزلنا هذا الكتاب المبارك. وقيل: إن في الآية حذفاً تقديره: ثم قل
يا محمد صلى الله عليه وآله إنا آتينا. والمعنى اتل ما أوحي إليك ثم اتل عيلهم خبر ما آتينا
موسى. وقيل: هو معطوف على ما تقدم قبل شطر السورة من قوله: { { ووهبنا له إسحق
ويعقوب } [الأنعام: 84] وقوله: { تماماً على الذي أحسن } مفعول له أي لتتم نعمتنا على
الذي أحسن أي على من كان محسناً صالحاً، أو المراد إتمام للنعمة والكرامة على العبد
الذي أحسن الطاعة في التبليغ وكل ما أمر به، أو تماماً على الذي أحسن موسى من العلم
والشرائع من أحسن الشيء إذا أجاد معرفته أي زيادة على علمه. وقرىء { أحسن } بالرفع
أي على الدين الذي هو أحسن دين وأرضاه { وتفصيلاً لكل شيء } فيدخل في ذلك بيان نبوة
رسولنا صلى الله عليه وآله وصحة دينه وشرعه { وهدى } دلالة { ورحمة } لكي يؤمنوا بلقاء
ما وعدهم ربهم به من ثواب وعقاب { وهذا كتاب أنزلناه } لا شك أنه القرآن { مبارك } كثير
الخير والنفع أو ثابت لا يتطرق إليه النسخ كما في الكتابين { فاتبعوه واتقوا } لكي ترحموا
لأن الغرض من التقوى رحمة الله تعالى، أو اتقوا لترحموا جزاء على التقوى، أو اتقوا
مخالفته على رجاء الرحمة. قال الفراء قوله: { أن تقولوا } مفعول { واتقوا } وقال
الكسائي: التقدير: إنا أنزلناه لئلا تقولوا. وقال البصريون: إنا أنزلناه كراهة أن تقولوا
والخطاب لأهل مكة { إنما أنزل الكتاب } أي التوراة والإنجيل { على طائفتين من قبلنا }
اليهود والنصارى { وإن كنا } هي المخففة من الثقيلة واللام في { لغافلين } هي الفارقة بينها
وبين النافية والأصل وإنه كنا ومعنى الدراسة القراءة. وإنما قالوا: { لكنا أهدى منهم } لحدة
أذهانهم وكثرة حفظهم لأيام العرب ووقائعها وخطبها وأشعارها وأمثالها مع كونهم أميين
قطع الله عذرهم بإنزال القرآن عليهم. ثم قال: { فقد جاءكم } أي إن صدقتم أن عدم إنزال
الكتاب يصلح للعذر وأنه لو أنزل عليكم الكتاب لكنتم أهدى منهم فقد جاءكم { بينة من
ربكم } فيما يعلم سمعاً { وهدى } فيما يعلم سمعاً وعقلاً { ورحمة } من الله في إصلاح المعاش
والمعاد { فمن أظلم } بعد هذه المعجزات والبينات { ممن كذب بآيات الله وصدف عنها }
أي منع غيره منها لأن الأول ضلال والثاني إضلال، ثم ختم الآية بأشد الوعيد وأبلغ التهديد
ثم ذكر أنهم بعد نصب الأدلة وإزاحة العذر لا يؤمنون ألبتة، وشرح أحوالاً توجب المبادرة
إلى الإيمان والتوبة فقال: { هل ينظرون } أي ينتظرون ومعنى الاستفهام النفي وتقدير الآية
أنهم لا يؤمنون بك إلا عند مجيء أحد هذه الأمور: مجيء الملائكة، أو مجيء الرب ويعني
به عذابه وبأسه كما سلف في البقرة، أو مجيء المعجزات القاهرة. قال في الكشاف:
الملائكة ملائكة الموت أو ملائكة العذاب ومجيء الرب مجيء كل آية، ثم قال: { يوم يأتي
بعض آيات ربك } وأجمعوا على أن المراد بهذه الآية علامات القيامة. عن البراء بن
عازب قال: كنا نتذاكر أمر الساعة إذا أشرف النبي صلى الله عليه وآله فقال: "أتتذاكرون
الساعة؟ إنها لا تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات: الدخان ودابة الأرض وخسفاً بالمشرق
وخسفاً بالمغرب وخسفاً بجزيرة العرب والدجال وطلوع الشمس من مغربها ويأجوج ومأجوج
ونزول عيسى وناراً تخرج من عدن" والمراد أنه إذا بدت أشراط الساعة ذهب أوان التكليف
عندها فلم ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل، ولا نفساً ما كسبت في إيمانها خيراً. ثم
أوعدهم بقوله { قل انتظروا إنا منتظرون } ثم سلى رسول الله صلى الله عليه وآله بقوله: { إن
الذين فارقوا دينهم } أو فرقوا ومعنى القراءتين في الحقيقة واحد لأن الذي فرق دينه بمعنى
أنه أقر ببعض وكفر ببعض فقد فارقه أي تركه. قال ابن عباس: يريد أن المشركين بعضهم
يعبدون الملائكة ويقولون إنهم بنات الله، وبعضهم يعبدون الأصنام ويقولون هؤلاء شفعاؤنا
عند الله فصاروا شيعاً أي فرقاً وإخواناً في الضلالة. والشيعة كل فرقة تشيع إماماً لها. وقال
مجاهد وقتادة: هم اليهود والنصارى تفرقوا فرقاً وكفر بعضهم بعضاً وأخذوا بعضاً وتركوا
بعضاً كقوله: { أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض } [البقرة: 85] وعن مجاهد أيضاً أنهم من هذه الأمة وهم أهل البدع والشبهات وفي الحديث "افترقت اليهود على إحدى
وسبعين فرقة - كلها في الهاوية إلا واحدة وهي الناجية - وافترقت النصارى على اثنتين
وسبعين فرقة - كلها في الهاوية إلا واحدة. وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين كلها في الهاوية
إلا واحدة" { لست منهم في شيء } أي إنك بعيد من أقوالهم ومذاهبهم والعقاب اللازم
على تلك الأباطيل مقصور عليهم لا يتعداهم إليك. وقال السدي: معناه لم تؤمر بقتالهم
فلما أمر بقتالهم نسخ. ويحتمل أن يقال: إن النهي عن القتال في وقت لا ينافي الأمر في
وقت آخر فلا نسخ { إنما أمرهم إلى الله } بالاستئصال والإهلاك { ثم ينبئهم بما كانوا
يفعلون } وفيه من الوعيد ما فيه. وفي الآية حث على أن كلمة المسلمين يجب أن تكون
واحدة ليستأهلوا الثواب الجزيل كما قال: { من جاء بالحسنة } هي لا إله إلا الله والسيئة
الشرك. والأولى حملها على العموم { فله عشر أمثالها } أقام صفة الجنس المميز مقام
الموصوف تقديره: عشر حسنات أمثالها كقراءة من قرأ { عشر أمثالها } بالرفع والتنوين،
قيل: هذا أقل الموعود وقد وعد سبعمائة وبغير حساب. وقيل: ليس المراد التحديد بل أراد
الأضعاف مطلقاً كقول القائل: لئن أسديت إليّ معروفاً لأكافئنك بعشرة أمثاله. وفي الوعيد
لئن كلمتني واحدة لأكلمنك عشراً. روى أبو ذر أن النبي صلى الله عليه وآله قال عن الله
تعالى: "الحسنة عشر أو أزيد والسيئة واحدة أو أغفر فالويل لمن غلبت آحاده أعشاره" وقال
صلى الله عليه وآله يقول الله تعالى: " إذا هم عبدي بحسنة فاكتبوها له حسنة وإن لم يعملها
فإن عملها فعشر أمثالها وإن هم بسيئة فلا تكتبوها فإن عملها فسيئة" { وهم لا يظلمون }
أي لا ينقص من ثواب طاعاتهم ولا يزاد على عقاب سيآتهم. أسؤلة: ما الحكمة في
الأضعاف؟ جوابه كان للأمم أعمار طويلة وطاعات كثيرة فوضع الله لهذه الأمة ليلة
القدر خيراً من ألف شهر وأضعاف الأعمال { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } { كمثل
حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة } [البقرة: 261] { { إنما يوفى الصابرون
أجرهم بغير حساب } [الزمر: 10] وأيضاً لو أن الخصماء يتعلقون بهم يوم القيامة
فيذهبون بأعمالهم إلى أن تبقى الأضعاف فيقول الله أضعافهم ليست من فعلهم هي من
رحمتي فلا أقتص منهم أبداً. آخر: كيف يوجب الكفر عقاب الأبد؟ جوابه أن الكافر كان
على عزم الكفر لو عاش أبداً فاستحق العقاب الأبدي بناء على ذلك الاعتقاد بخلاف المسلم
المذنب فإنه يكون على عزم الإقلاع فلا جرم تكون عقوبته منقطعة، وأيضاً الذي جهله
الكافر وهو ذات القديم سبحانه وصفاته شيء لا نهاية له فيكون جهله لا يتناهى فكذا عقابه.
آخر: إعتاق الرقبة الواحدة تارة جعل بدلاً عن صيام ستين يوماً وهو في كفارة الظهار وتارة
بدلاً عن صيام أيام قلائل. آخر: أحدث في رأس إنسان موضحتين فوجب أرشان فإن عاد
ورفع الحاجز بينهما صار الواجب أرش موضحة واحدة فههنا ازدادت الجناية وقل العقاب. آخر: قد يجتمع بسبب أطراف تبان ولطائف تزال ديات متعددة إذا حصل الاندمال، وقد
ترتقي إلى نيف وعشرين. الأذنان أو إبطال حسهما، العينان أو البصر، الأجفان، المارن،
الشفتان، اللسان أو النطق، الأسنان، اللحيان، اليدان، الذكر والأنثيان، الحلمتان،
الشفران، الإليتان، الرجلان، العقل، السمع، الشم، الصوت، الذوق، الإمناء أو الإحبال،
إبطال لذة الجماع، إبطال لذة الطعام، الإفضاء، البطش، المشي. وقد تضاف إليها موجبات
الجوائف والمواضح وسائر الشجات. فإن عاد الجاني قبل الاندمال وحز الرقبة أوقده
بنصفين لم يجب إلاّ دية النفس، وكل ذلك يدل على أن رعاية المماثلة غير معتبرة في
الشرع. والجواب عن الأسئلة الثلاثة أن هذه الأمور من تعبدات الشرع المطهر وتحكماته
فلا سبيل بعقولنا إليها. ويمكن أن يجاب عن الثالث بأن بدل الأطراف لما لم يستقر
بالاندمال دخل في دية النفس لعسر ضبط ذلك والجزاء الحقيقي موكول إلى يوم الجزاء والله
أعلم. قال أهل السنة: كل الثواب تفضل من الله تعالى فلا إشكال. وقالت المعتزلة: إن بين
الثواب والتفضل فرقاً لأن الثواب هو المنفعة المتسحقة والتفضل هو المنفعة التي لا تكون
مستحقة. ثم اختلفوا فقال الجبائي: العشرة تفضل والثواب غيرها إذ لو كان الواحد ثواباً
والتسعة تفضلاً لزم أن يكون الثواب دون التفضل فلا يكون للتكليف فائدة. وقال آخرون:
لا يبعد أن يكون الواحد ثواباًً إلا أنه يكون أعلى شأناً من التسعة الباقية. ثم لما علم رسوله
صلى الله عليه وآله أنواع الدلائل والرد على أصناف المشركين وبالغ في تقرير إثبات القضاء
والقدر وردّ على أهل الجاهلية أباطيلهم أمره بأن يقول: { إنني هداني ربي } ليعلم أن الهداية
لا تحصل إلا بالله عز وجل. { وقيماً } "فيعل" من قام كسيد من ساد. ومن قرأ { قيماً } فعلى
أنه مصدر بمعنى القيام كالصغر والكبر وصف به للمبالغة و { ملة إبراهيم } عطف بيان
و{ حنيفاً } حال من إبراهيم أو من الملة، والمعنى هداني وعرفني ملة إبراهيم حال كونه
أو كونها موصوفاً بالحنيفية. ثم قال في صفة إبراهيم: { وما كان من المشركين } رداً على
من زعم عليه شيئاً من ذلك.
ثم كما عرفه الدين القويم والطريق المستقيم علمه كيف يصنع به ويؤديه فقال: { قل
إن صلاتي ونسكي } أي عبادتي وتقربي إليه كما روى ثعلب عن ابن الأعرابي أنه قال:
النسك سبائك الفضة كل سبيكة منها نسيكة. وقيل: للمتعبد ناسك لأنه خلص نفسه من
دنس الآثام وصفاها كالسبيكة المخلصة من الخبث. وقيل: المراد بالنسك ههنا الذبائح
جمع بين الصلاة والذبح كما في قوله: { { فصل لربك وانحر } [الكوثر: 2] وقيل: صلاتي
وحجي أخذاً من مناسك الحج. { ومحياي ومماتي } أي حياتي وموتي مصدران ميميان.
وقال في الكشاف: المراد وما آتيه في حياتي وأموت عليه من الإيمان والعمل الصالح. وفيه
أنه لا يكفي في العبادات أن يؤتى بها كيف كانت بل لا بد أن يكون جيمع حركات المرء
وسكناته لله رب العالمين { وبذلك } من الإخلاص { أمرت وأنا أول المسلمين } لأن إسلام
كل نبي متقدم على إسلام أمته. وقال في التفسير الكبير: إنه تعالى أمر رسوله أن يبين أن
صلاته وسائر عباداته وحياته ومماته كلها واقعة بخلق الله تعالى وتقديره وقضائه، وحكمه
وذلك أن المحيا والممات بخلق الله فكذا الصلاة والنسك وبذلك من التوحيد أمرت، ثم لما
أمر نبيه بالتوحيد المحض أمره أن يذكر ما يجري مجرى الدليل عليه فقال: { قل أغير الله
أبغي رباً } وتقريره أن طوائف المشركين من عبدة الأصنام والكواكب ومن اليهود والنصارى
والوثنية كلهم معترفون بأن الله تعالى خالق الكل فكأنه سبحانه قال: قل يا محمد منكراً أغير
الله أطلب رباً مع أن هؤلاء الذين اتخذوا من دونه آلهة مقرون بأنه خالق تلك الأشياء
ولا يدخل في العقل جعل المربوب والعبد شريكاً للرب والمولى. وبوجه آخر الموجود إما
واجب لذاته أو ممكن لذاته، وقد ثبت أن الواجب لذاته واحد وما سواه ممكن لذاته
والممكن لذاته لا يوجد إلا بإيجاد الواجب لذاته فهو إذن رب كل شيء، وصريح العقل
شاهد بأن المربوب لا يكون شريكاً للرب فلا يختص إذن بالربوبية غيره. ثم لما بين الدليل
القاطع على التوحيد ذكر أنه لا يرجع إليه من كفرهم وشركهم ذم ولا عقاب فقال
{ ولا تكسب كل نفس إلا عليها } ومعناه أن إثم الجاني عليه لا على غيره { ولا تزر وازرة
وزر أخرى } أي لا تؤخذ نفس آثمة بإثم نفس أخرى وهذا كالرد لقولهم: { اتبعوا سبيلنا
ولنحمل خطاياكم } [العنكبوت: 12] ثم بين أن رجوع هؤلاء المشركين إلى موضع لا حاكم
هناك إلا الله تعالى فقال: { ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون } ثم ختم
السورة ببيان حال المبدإ والوسط والمعاد على سبيل الإجمال فقال { وهو الذي جعلكم
خلائف الأرض } قيل: الخطاب لبني آدم لأنه جعلهم بحيث يخلف بعضهم بعضاً. وقيل:
لأمة محمد صلى الله عليه وآله لأنه خاتم النبيين فخلفت أمته سائر الأمم، وقيل: لخواص
الأمة الذين هم خلفاء الله في أرضه يملكونها ويتصرفون فيها بالحق كقوله: { يا داود إنا
جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس } [ص: 26] { ورفع بعضكم فوق بعض
درجات } في الشرف والعقل والجاه والمال والرزق لا للعجز والبخل ولكن لأجل شبه
الابتلاء والامتحان، ولظهور الموفر من المقصر وتميز المطيع من العاصي حسب ما تقتضيه
الحكمة والعدالة والتدبير والتقدير. ثم وصف نفسه بالقدرة الكاملة على إيصال العقاب
وإيفاء الثواب فقال { إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم } فأدخل اللام في قرينة
الترغيب وأسقطها عن قرينة الترهيب ترجيحاً لجانب الرحمة والغفران فإن اللطف والرحمة
تفيض عنه بالذات والقهر والتعذيب يصدر عنه بالعرض لأن ذلك من ضروريات الملك
ولهذا قال "سبقت رحمتي غضبي" وإنما وصف العقاب بالسرعة لأن كل ما هو آت قريب.
وإنما لم يسقط اللام عن قرينة العقاب في سورة الأعراف في قصة أصحاب السبت لأن ذلك
قد ورد عقيب ذكر المسخ فناسب التأكيد باللام، وإنما أخر قرينة الرحمة في الموضعين ليقع
ختم الكلام على المغفرة والرحمة فيكون أدل على كمال رأفته ووفور إحسانه.
التأويل: { من إملاق } فيه ترك التوكل على الله وعدم الثقة بالله { وأوفوا الكيل } أوفوا
بكيل العمر وميزان الشرع حقوق الربوبية واستوفوا بكيل الاجتهاد وميزان الاقتصاد حظوظ
العبودية من الألوهية. { وبعهد الله أوفوا } بأن لا تعبدوا ولا تحبوا ولا تروا إلا إياه { وإن
هذا صراطي مستقيماً } إشارة إلى أن الصراط المستقيم الحقيقي إلى الله تعالى هو صراط
محمد صلى الله عليه وسلم { تماماً على الذي أحسن } أي على من أحسن من أمتك إسلامه. وفيه أن الكتب
المنزلة كلها وشرائع الأنبياء كانت تتمة للدين الحنيفي الذي هو الإسلام، ولهذا أمر بأن
يقتدى بالأنبياء ليجمع بين هداه وهداهم. ويحتمل أن يراد بالذي أحسن النبي صلى الله عليه
وآله والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه { أنزلناه مبارك } وبركته أنه أنزل على قلبه فكان خلقه
القرآن { فقد جاءكم بينة } ما يبين لكم طريق السير إلى الله ومهدي ما يهديكم إلى الله أتم
وأكمل مما جاء في الكتابين { ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين } [الأنعام: 59] { هل
ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة } عياناً وتسوقيهم إلى الله قهراً والجاء { أو يأتي ربك } إليهم إذ
لم يأتوا إليه في متابعتك { قل انتظروا } للمستحيلات { إنا منتظرون } للميعاد في المعاد { إن
الذين فارقوا } الدين الحقيقي الذي فيه كمالية الإنسان { وكانوا شيعاً } فرقاً مختلفة من المبتدعة
والزنادقة والمتزيدة رياء وسمعة وعلماء السوء وملحدة المتفلسفة { لست منهم في شيء }
لأنك على الحق وهم على الباطل وبينهما تضاد إنما أمرهم إلى الله في بدء الخلقة وقسم
الاستعداد كما شاء { ثم ينبئهم } يوم الجزاء بما يستحقه كل منهم { من جاء بالحسنة فله
عشر أمثالها } قبل ذلك حتى يقدر على الإتيان بتلك الحسنة وهي حسنة الإيجاد من العدم،
وحسنة الاستعداد حيث خلقه في أحسن تقويم، وحسنة التربية وحسنة الرزق وحسنة بعثة
الرسل وحسنة إنزال الكتب، وحسنة تبيين الحسنات من السيئات، وحسنة التوفيق للحسنة
وحسنة الإخلاص في الإحسان، وحسنة قبول الحسنات { ومن جاء بالسيئة لا يجزى إلا
مثلها } لأن السيئة بذر يزرع في أرض النفس والنفس خبيثة لأنها أمارة بالسوء، والحسنة بذر
يزرع في أرض القلب والقلب طيب { والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث
لا يخرج إلا نكداً } [الأعراف: 58] والتحقيق أنه كما للأعداد ثلاث مراتب الآحاد
والعشرات والمئات وبعد ذلك تكون الألوف إلى حيث لا يتناهى، فكذلك للإنسان أربع
مراتب: النفس والقلب والروح والسر. فالعمل الواحد في مرتبة النفس أي إذا صدر عنها
يكون واحداً، وفي مرتبة القلب يكون بعشر أمثالها، وفي مرتبة الروح يكون بمائة، وفي
مرتبة السر يكون بألف إلى أضعاف كثيرة بقدر صفاء السر وخلوص النية إلى ما لا يتناهى،
وهذا سر ما جاء في القرآن والحديث من تفاوت جزاء الحسنات والله تعالى أعلم ورسوله.
{ قل إنني هداني ربي } من أسفل سافلين القالب بجذبه العناية الأزلية { ونسكي } أي سيري
على منهاج "الصلاة معراج المؤمن" { ومحياي } أي حياة قلبي وروحي { ومماتي } أي موت
نفسي لطلب { رب العالمين } والوصول إليه { وأنا أول } المستسلمين عند الإيجاد لأمر
"كن" كما قال: "أول ما خلق الله نوري". { قل أغير الله } كيف أطلب غير الله وهو حبيبي
والمحب لا يطلب إلا الحبيب وإذا هو رب كل شيء فيكون ما له لي، وإن طلبت غيره دونه
يكون ذلك الغير علي لا لي كما قال { ولا تكسب كل نفس إلا عليها } لأن النفس أمارة
بالسوء والسوء عليها لا لها { ولا تزر وازرة وزر أخرى } فإن كان القلب سليماً من كدورات
صفات النفس باقياً على ما جبل عليه من حب الله تعالى وطلبه لا يؤاخذ بمعاملة النفس
ولا يتألم بعذابها وإنما تكون النفس فقط مأخوذة بوزرها معاقبة بما هي أهله، وإن كان
القلب منقلب الحال وأزاغه الله تعالى بإصبع القهر إلى محاذاة النفس فتصدأ مرآة القلب
بصفات النفس وأخلاقها فيتبع النفس وهواها فيزول عنه الصفاء والطهارة والسلامة والذكر
والفكر والتوحيد والإيمان والتوكل والصدق والإخلاص ورعاية وظائف العبودية فيكون
مأخوذاً بوزره لا بوزر غيره { وهو الذي جعل } كل واحد من بني آدم وقته خليفة ربه في
الأرض. وسر الخلافة أن صوره على صفات نفسه حياً قيوماً سميعاً بصيراً عالماً قادراً مريداً
متكلماً { ورفع بعضكم فوق بعض درجات } في استعداد الخلافة { ليبلوكم } ليظهر من
المتخلق بأخلاقه منكم القائم به وبأوامره في العباد والبلاد، ومن الذي رجع القهقرى إلى
صفات البهائم وأبطل الاستعداد للخلافة بالختم والطبع والحبس في سجين الطبيعة { لغفور
رحيم } لمن وفقه لمرضاته ورفع درجاته الله حسبي.