وقوله سبحانه: { وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ }: هذا ردٌّ لقول من يقول: إِنَّ محمداً يَفْتَرِي القرآن، و{ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ }: التوراةُ والإِنجيل، وهم يقطعون أنَّه لم يطالِعْ تلك الكُتُب، ولا هي في بَلَدِهِ، ولا في قومه، و{ وَتَفْصِيلَ ٱلْكِتَـٰبِ } هو تبيينه.
وقوله: { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ... } الاية: «أم» هذه ليست بالمعادلة لهمزة ٱلاستفهام، في قوله: أزيْدٌ قام أمْ عمرو؟ ومذهَبُ سِيبَوَيْهِ: أنها بمنزلة «بَلْ» ثم عجَّزهم سبحانه بقوله: { قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ... } الآية: والتحدِّي في هذه الآية عند الجُمْهُور وقَعَ بجهتَي الإِعجاز اللَّتَيْنِ في القرآنِ:
إِحْداهما: النَّظْم والرَّصْف والإِيجازُ وَالجَزَالَة، كلُّ ذلك في التعريف.
والأُخرَى: المعاني مِنَ الغَيْبِ لِمَا مَضَى، ولما يُسْتَقْبَلُ.
وحين تحدَّاهم بـــ «عَشْرٍ مفترياتٍ» إِنما تحدَّاهم بالنَّظْم وحْده، ثم قال * ع *: هذا قول جماعة المتكلِّمين، ثم اختار أنَّ الإِعجاز في الآيتين إِنما وقع في النَّظْمِ لا في الإِخبارِ بالغُيُوبِ.
* ت *: والصوابُ ما تَقَدَّم للجمهور، وإليه رَجَعَ في «سورة هود» وأوجُهُ إِعجاز القرآن أَكْثَرُ من هذا وَٱنْظُر «الشِّفَا».
وقوله: { مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ }: إِحالةٌ على شركائهم.
وقوله سبحانه: { بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ... } الآية: المعنى: ليس الأمر كما قالوا مِنْ أنه مفترًى، { بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ }، أي: تفسيره، وبيانُهُ، ويحتمل أنْ يريد بما لم يأتهم تأويله، أي: ما يؤول إليه أمره؛ كما هو في قوله:
{ { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ } [الأعراف:53] وعَلَى هذا، فالآيةُ تتضمَّن وعيداً، و{ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ }: مَنْ سلف من أمم الأنبياء. وقوله سبحانه: { وَمِنهُمْ مَّن يُؤْمِنُ بِهِ... } الآية: أيْ: ومِنْ قريشٍ مَنْ يؤمن بهذا الرسُولِ، ولهذا الكلام معنيان:
قالتْ فرقة: معناه: مِنْ هؤلاء القومِ مَنْ سيؤمن في المستقبل، ومِنْهُم من حَتَمَ اللَّه عَلَيْهِ أنَّه لا يؤمن به أبداً.
وقالتْ فرقة: معناه: ومنهم مَنْ يؤمن بهذا الرسُولِ إِلاَّ أنَّه يَكْتُم إِيمانه حفْظاً لرئاسته، أو خوفاً مِنْ قومه، كالفِتْية الذين قُتِلُوا مع الكُفَّار بِبَدْرٍ.
قال * ع *: وفائدة الآية على هذا التأويل: التفريقُ لكلمة الكُفَّار، وإِضعافُ نفوسهم، وفي قوله: { وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِٱلْمُفْسِدِينَ } تهديدٌ ووعيدٌ.