التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِي ٱلصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ
٥٧
قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ
٥٨
قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى ٱللَّهِ تَفْتَرُونَ
٥٩
-يونس

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ... } الآية: هذه آية خُوطِبَ بها جميعُ العَالَم، والـــ { مَّوْعِظَةٌ }: القرآن؛ لأن الوعظ إِنما هو بقولٍ يأْمُرُ بالمعروف ويزجُرُ، ويرقِّق القلوب، ويَعِدُ ويُوعِدُ، وهذه صفة «الكتاب العزيز»، وقوله: { مِّن رَّبِّكُمْ } يريد: لم يختلقْها محمَّد ولا غيره، و{ مَا فِي ٱلصُّدُورِ }: يريد به الجَهْلَ ونحوَهُ، وجَعْلُهُ موعظةً بحَسَب النَّاسِ أَجْمَعَ، وجعْلُه هدىً ورحمةً بحسب المؤمنين فَقَطْ، وهذا تفسيرٌ صحيحُ المعنَى، إِذا تُؤُمِّلَ، بان وجْهُه.

وقوله سبحانه: { قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ }، قال ابن عباس وغيره: الفضل: الإِسلام، والرحمة: القرآن، وقال أبو سعيد الخُدْرِيُّ: الفَضْل: القرآن، والرحمة: أن جعلهم مِنْ أهله.

وقال زيْدُ بن أسلم والضَّحَّاك: الفَضْل: القرآن، والرحمة: الإِسلام.

قال * ع *: ولا وجْه عندي لشيْءٍ من هذا التخْصيصِ إِلاَّ أن يستند شيءٌ منْه إِلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وإِنما الذي يقتضيه اللفظُ، ويلزم منْه أنَّ الفضْلَ: هو هدايةُ اللَّه تعالى إِلَى دِينِهِ، والتوفيقُ إِلى ٱتبَاعِ شرعه، والرحمةُ هي عفوه وسُكْنَى جنَّته التي جَعَلَها جزاءً على التشرُّع بالإِسلام والإِيمان به، ومعنى الآية: قل، يا محمَّد، لجميع النَّاس: بفضلِ اللَّه ورحمته فَلْيَقَعِ الفَرِحُ منكم، لا بأمور الدنيا وما يُجْمَعُ من حُطَامها، فإِن قيل: كيف أمر اللَّه بالفَرَحِ في هذه الآية، وقد وَرَدَ ذمُّه في قوله: { { لَفَرِحٌ فَخُورٌ } [هود:10] وفي قوله: { { لاَ تَفْرَحْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ } [القصص:76].

قيل: إِن الفرح إِذا ورد مقيَّداً في خيرٍ، فليس بمذمومٍ، وكذلك هو في هذه الآية، وإِذا ورد مقيَّداً في شرٍّ، أو مطلقاً لَحِقَهُ ذمٌّ، إِذ ليس من أفعال الآخرة، بل ينبغي أنْ يغلب على الإِنسان حُزْنُهُ على دينه، وخوفُه لربِّه.

وقوله: { مِّمَّا يَجْمَعُونَ }: يريد: مالَ الدنيا وحُطَامَها الفانِيَ المُرْدِيَ في الآخرة.

وقوله سبحانه: { قُلْ أَرَءَيْتُم مَّا أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً... } الآية.

قال * ص *: { أَرَءَيْتُم }: مضمَّن معنى: أَخْبِروني، و«ما» موصولة.

قال * ع *: هذه المخاطبة لكفَّار العرب الذين جعلوا البحائِرَ والسَّوائب وغَيْرَ ذلك، وقوله: { أَنَزلَ }: لفظةً فيها تجوُّز.