التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ
٧٦
قَالَ مُوسَىٰ أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمْ أَسِحْرٌ هَـٰذَا وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُونَ
٧٧
قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا ٱلْكِبْرِيَآءُ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ
٧٨
وَقَالَ فِرْعَوْنُ ٱئْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ
٧٩
فَلَمَّا جَآءَ ٱلسَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ
٨٠
فَلَمَّآ أَلْقَواْ قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُمْ بِهِ ٱلسِّحْرُ إِنَّ ٱللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ ٱلْمُفْسِدِينَ
٨١
وَيُحِقُّ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُجْرِمُونَ
٨٢
-يونس

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { فَلَمَّا جَاءَهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَـٰذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ } الآية: يريد بـــ { ٱلْحَقُّ } آيَتَيِ العَصَا واليد.

وقوله: { أَسِحْرٌ هَـٰذَا }: قالت فرقة: هو حكايةٌ عن موسَى عنهم، ثم أخبرهم موسَى عن اللَّه؛ أَنَّ الساحِرِينَ لا يُفلحون، ثم اختلفوا في معنى قول قَوْمِ فرعونَ، فقال بعضهم: قالها منهم كلُّ مستفهِمٍ جاهلٍ بالأمر، فهو يسأل عنه، وهذا ضعيفٌ، وقال بعضهم: بل قالوا ذلك عَلَى معنى التعظيم للسحْرِ الذي رأَوْهُ، وقالت فرقة: ليس ذلك حكايةً عن موسَى عنهم، وإِنما هو من كلام موسَى، وتقدير الكلامِ: أَتقولون للحَقِّ لما جاءكم سِحْرٌ، ثم ابتدأ يوقِّفهم بقوله: { أَسِحْرٌ هَـٰذَا } على جهة التوبيخ.

وقولهم: { لِتَلْفِتَنَا }: أي: لتصرفنا وتلوينا وتَرُدَّنا عن دين آبائنا، يقال: لفتَ الرَّجُلُ عُنُقَ الآخَرِ؛ إِذا أَلواه، ومنه قولهم: ٱلْتَفَتَ؛ فَإِنَّهُ ٱفْتَعَلَ مِنْ لَفَتَ عُنُقَهُ إِذَا أَلواه، و{ ٱلْكِبْرِيَاءُ }: مصْدَر من الكِبْرِ، والمراد به في هذا الموضع المُلْك؛ قاله أكثر المتأوِّلين؛ لأنه أعظم تَكَبُّرِ الدنيا، وقرأ أبو عَمْرٍو وحده: «به آلسِّحْرُ» - بهمزةِ ٱستفامٍ ممدودةٍ -، وفي قراءة أُبيٍّ: «مَا أَتَيْتُمْ بِهِ سِحْرٌ»، والتعريف هنا في السِّحْرِ أَرْتَبُ؛ لأنه تقدَّم منكَّراً في قولهم: { إِنَّ هَـٰذَا لَسَحِرٌ }، فجاء هنا بلامِ العَهْدِ.

قال * ص *: قال الفَّرَّاء: إِنما قال: «السِّحْر» بـــ «أَلْ»، لأن النكرة إِذا أُعيدَتْ، أُعيدَتْ بـ «أَلْ»، وتبعه ابن عطية، ورُدَّ بأن شرط ما ذكراه ٱتِّحَادُ مدلول النكرةِ المُعَادة؛ كقوله تعالى: { { كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولاً * فَعَصَىٰ فِرْعَوْنُ ٱلرَّسُولَ } [المزمل:15،16] وهنا السِّحْر المنكَّر هو ما أتَى به موسَى، والمعروفُ ما أتَوْا به هُمْ، فٱخْتَلَفَ مدلولُهما، وٱلاستفهامُ هنا: على سبيل التحقِيرِ. انتهى. وهو حَسَن.

وقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ سَيُبْطِلُهُ }: إِيجاب عن عِدَّةٍ من اللَّه تعالى.

وقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ ٱلْمُفْسِدِينَ }: يحتمل أنْ يكون ابتداءَ خَبَرٍ مِنَ اللَّهِ عزَّ وجلَّ، ويحتملُ أَنْ يكون من كلام موسَى عليه السلام، وكذلك قوله: { وَيُحِقُّ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ... } الآية، محتملٌ للوجهين، وكون ذلك كلُّه من كلام موسَى أقربُ، وهو الذي ذكر الطبريُّ، وأما قوله: { بِكَلِمَـٰتِهِ }: فمعناه بكلماته السابقةِ الأزليَّة في الوَعْد بذلك.