التفاسير

< >
عرض

أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ
١
حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ
٢
كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ
٣
ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ
٤
-التكاثر

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

قوله تعالى: { أَلْهَـٰكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ } أي: شَغَلَكُمْ المباهاةُ والمفاخرةُ بكثرةِ المالِ والأولادِ والعَدَدِ، وهذا هِجِّيرى أبناءِ الدنيا العربِ وغيرهم؛ لا يتخلصُ منه إلا العلماء المتقون، قال الفخر: فالألفُ واللامُ في { ٱلتَّكَّاثُرُ } ليسَ للاسْتِغْرَاقِ بَلْ للمَعْهُودِ السَّابِقِ في الذِّهْنِ، وهو التكاثرُ في الدنيا؛ ولذاتِها وعلائِقها؛ فإنّه هُو الذي يَمْنَعُ عن طاعةِ اللَّه وعبوديَّتِه؛ ولما كَان ذلك مُقَرَّراً في العقولِ ومُتَّفَقاً عليه في الأديان لاَ جَرَمَ؛ حَسُنَ دخولُ حرف التعريف عليه؛ فالآيةُ دالَّةٌ على أن التكاثرَ والتفاخرَ بما ذُكِرَ مذمومٌ، انتهى.

وقوله تعالى: { حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ } أي حتى مُتُّمْ فَدُفِنْتُم في المقابِر وهذا خبرٌ فيه تَقْرِيعٌ وتوبيخ وتحسُّرٌ، وفي الحديثِ الصحيحِ عنه صلى الله عليه وسلم "يَقُولُ ٱبْنُ آدَمَ: مَالِي مَالِي، وَهَلْ لَكَ يَا بْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إلاَّ مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أو تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ" قال * ص *: قرأ الجمهورُ: «الْهَاكُم» على الخبرِ، وابنُ عباسٍ بالمدِّ، والكسائي في روايةٍ بهمزَتَيْنِ، ومعنى الاستفهامِ التوبيخُ والتقريرُ، انتهى، قال الفخر: اعْلَمْ أنَّ أهم الأمور وأولاها بالرعايةِ تَرْقِيقُ القلبِ، وإزالَةُ حُبِّ الدنيا منه، ومُشَاهَدَةُ القبورِ تُورِثُ ذلكَ؛ كما ورد به الخَبَرُ، انتهى.

وقوله تعالى: { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } زَجْرٌ ووعيدٌ، ثم كُرِّرَ تَأكِيداً، ويأخذ كل إنسانٍ من هذا الزجرِ والوعيدِ المُكَرَّرِ على قدر حظِّهِ من التوغُّلِ فيما يُكْرَه؛ هذا تأويل الجمهور، وقال عليٌّ: { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } في القبرِ، { ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } في البَعْثِ، قال الفخر: وفي الآيةِ تَهْدِيدٌ عظيمٌ للعلماءِ فَإنها دالة على أنه لَوْ حَصَلَ اليقينُ لَتَرَكُوا التكاثُرَ والتَّفَاخُرَ؛ فهذا يَقْتَضِي أنَّ مَنْ لا يتركُ التكاثرَ والتفاخرَ أنْ لاَ يكونَ اليقينُ حَاصِلاً له؛ فالويلُ للعالمِ الذي لا يكونُ عَاقِلاً؛ ثم الويل له، انتهى.