التفاسير

< >
عرض

بَقِيَّتُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ
٨٦
قَالُواْ يٰشُعَيْبُ أَصَلَٰوتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِيۤ أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنتَ ٱلْحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ
٨٧
قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ ٱلإِصْلاَحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِيۤ إِلاَّ بِٱللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ
٨٨
وَيٰقَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِيۤ أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَآ أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ
٨٩
وَٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ
٩٠
قَالُواْ يٰشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَآ أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ
٩١
قَالَ يٰقَوْمِ أَرَهْطِيۤ أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَٱتَّخَذْتُمُوهُ وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ
٩٢
وَيٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَٰمِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَٰذِبٌ وَٱرْتَقِبُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ
٩٣
وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَأَخَذَتِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ
٩٤
-هود

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله: { بَقِيَّتُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ }: قال ابن عباس: معناه: الذي يُبْقِي اللَّه لكُمْ من أموالكم بَعْد توفيتكم الكَيْلَ والوَزْن خيرٌ لكم مما تستكثرونَ به على غير وجْهه، وهذا تفسيرٌ يليق بلفظ الآية، وقال مجاهد: معناه: طاعةُ اللَّه، وهذا لا يعطيه لفْظُ الآية.

قال * ص *: وقرأ الحسنُ: «تَقِيَّةُ اللَّهِ»، أي: تقواه.

قال * ع *: وإِنما المعنى عندي: إِبقاءُ اللَّه علَيْكُم إِنْ أطعتم، وقولهم: { أَصَلَوٰتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَآ }: قالت فرقة: أرادوا الصلواتِ المعروفةَ، وروي أن شعيباً عليه السلام كان أكْثَرَ الأنبياءِ صلاةً، وقال الحسنُ: لم يَبْعَث اللَّهُ نبيًّا إِلا فرض عَلَيْه الصَّلاة والزَّكَاة، وقيل: أرادوا: أدعواتُكَ، وذلك أنَّ من حَصَّل في رتبةٍ مِنْ خيرٍ أَو شَرٍّ، ففي الأكثر تَدْعُوه رتبته إِلى التزيُّد من ذلك النوْعِ، فمعنى هذا: لما كنْتَ مصلِّياً، تجاوزْتَ إِلى ذمِّ شرعنا وحالِنا، فكأن حاله من الصلاة جَسَّرته علَى ذلك، فقيل: أَمَرَتْه؛ كما قال تعالَى: { { إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنكَرِ } [العنكبوت:45].

قال * ص *: { أَوْ أَن نَّفْعَلَ }: معطوفٌ على { مَا يَعْبُدُ }، و«أو» للتنويعِ، انتهى. وظاهر حالِهِمُ الذي أشاروا إِليه هو بَخْسُ الكيل والوَزْنِ الذي تقدَّم ذكره، وروي أن الإِشارة إِلى قَرْضِهِمْ الدِّينار والدِّرْهم، وإِجراء ذلك مع الصَّحِيح على جهة التدْلِيسِ؛ قاله محمَّدُ بْنُ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، وتؤوَّل أيضاً بمعنى تبديلِ السِّكَك التي قصد بها أكْلُ أموالِ الناس، قال ابنُ العربيِّ: قال ابن المسيَّب: قطع الدنانير والدَّرَاهم مِنَ الفَسَاد في الأرْضِ؛ وكذلك قال زيد بن أسْلَمَ في هذه الآية، وفَسَّرها به، ومثله عن يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ من رواية مالكٍ، قال ابنُ العَرَبِيِّ: وإِذا كان قَطْعُ الدنانير والدَّراهمِ وقَرْضُها من الفسَادِ، عُوقِبَ مَنْ فَعَلَ ذلك، وقَرْضُ الدراهم غَيْرُ كَسْرها؛ فإِن الكسر: فسادُ الوصفُ، والقَرْض: تنقيصٌ للقَدْر، وهو أَشَدُّ من كَسْرها، فهو كالسرقة. انتهى من «الأحكام» مختصراً، وبعضه بالمعنَى، وقولهم: { إِنَّكَ لأَنتَ ٱلْحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ }: قيل: إِنهم قالوه؛ على جهة الحقيقة، أي: أنت حليم رشيدٌ، فلا ينبغي لك أنْ تَنْهَانا عن هذه الأحوالِ، وقيل: إِنما قالوا هذا؛ على جهة ٱلاستهزاء.

وقوله: { وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا }: أي: سالماً من الفَسَادِ الذي أدْخَلْتُم في أمْوالكم، وجوابُ الشَّرْط الذي في قوله: { إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي } محذوفٌ، تقديره: أَأَضِلُّ كما ضَلَلْتُمْ، أو أتركُ تبليغَ رِسَالَةِ ربِّي، ونحو هذا.

وقوله: { لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ }: معناه: لا يُكْسِبَنَّكُمْ، و{ شِقَاقِي }: معناه: مُشَاقتي، وَعَدَاوَتِي و«أَنْ»: مفعولةٌ بـــ { يَجْرِمَنَّكُمْ }.

قال * ص، وع *: { وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ }: أي: بزمانٍ بعيدٍ، أو بمكانٍ.

قال * ص *: { وَدُودٌ } بناءُ مبالغةٍ مِنْ وَدَّ الشَّيْءَ، إِذا أَحَبَّه، وآثره.

* ع *: ومعناه: أن أفعاله سُبْحَانَهُ وَلُطْفه بعباده لَمَّا كَانَتْ في غاية الإِحْسَان إِليهمْ، كانَتْ كَفِعْلِ مَنْ يتودَّد وَيَوَدُّ المصنوعَ له، وقولُهم: { مَا نَفْقَهُ }: كقولِ قريشٍ: { { قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ } [فصلت:5]، والظاهر من قولهم: { إِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا }: أنهم أرادوا ضَعْفَ ٱلانتصارِ والقُدْرة، وأنَّ رهطه الكَفَرة يُرَاعَوْنَ فيه، والرَّهْط: جماعةُ الرجُلِ، وقولهم: { لَرَجَمْنَـٰكَ } أي: بالحجارة؛ قاله ابن زَيْد، وقيل: بالسَّبِّ باللسان، وقولهم: { بِعَزِيزٍ }: أي: بذي منعةٍ وعزةٍ، ومنزلةٍ، و«الظِّهْرِيُّ»: الشيءُ الذي يكونُ وراءَ الظهر، وذلك يكون في الكَلاَم على وجهين: إِما بمعنى ٱلاطِّراح؛ كما تقولُ: جَعَلْتَ كلامِي وَرَاءَ ظَهْرِكَ، ودَبْرَ أُذْنِكَ، وعلى هذا المعنَى حمل الجمهورُ الآية، أي: اتخذتم أمْرَ اللَّه وشَرْعَه وراء ظُهُوركم، أي: غَيْرَ مراعًى، وإِما بأَنْ يستند إِليه ويلجأ؛ كما قال عليه السلام: « وألجأتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ »؛ وعلى هذا المعنَى حمل الآية قَوْمٌ: أي: وأنتم تتَّخذون اللَّه سَنَدَ ظُهُورِكُمْ وعِمَادَ آمالكم.

وقوله: { ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ } معناه: على حالاتكم، وفيه تهديدٌ.

وقوله: { سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَٱرْتَقِبُواْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ }: والصحيحُ: أَن الوقْفَ في قوله: { إِنِّي عَـٰمِلٌ }.

وقوله سبحانه: { وَأَخَذَتِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيْحَةُ... } الآية: { ٱلصَّيْحَةُ }: هي صَيْحَة جبريل عليه السلام.