التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ
١
مَلِكِ ٱلنَّاسِ
٢
إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ
٣
مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ
٤
ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ
٥
مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ
٦
-الناس

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

قوله عز وجل: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ * مَلِكِ ٱلنَّاسِ * إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ * مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ }: { ٱلْوَسْوَاسِ }: اسم مِنْ أسماء الشيطانِ، وقولُه: { ٱلْخَنَّاسِ } معناه: الرَّاجِعُ علَىٰ عَقِبِهِ المُسْتَتِرُ أحياناً، فإذَا ذكر العَبْدُ اللَّه تعالى وتعوَّذ، تذكَّر فأبْصَرَ؛ كما قال تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ إِذَا مَسَّهُمْ طَـٰئِفٌ... } [الأعراف:201] قال النَّوَوِيُّ: قال بعضُ العلماءِ: يُسْتَحَبُّ قَول: لا إلٰه إلا اللَّهِ لِمَنِ ٱبْتُلِيَ بالوَسْوَسَةِ في الوضوءِ والصلاةِ وشِبْهِهِمَا؛ فإن الشيطان إذا سمع الذِّكرَ، خَنَسَ، أي: تأخَّر وبَعُدَ، و«لا إله إلا اللَّهُ»: رَأْسُ الذِّكْرِ؛ ولذلك ٱختارَ السَّادَةُ الجِلَّةُ مِنْ صَفْوة هذه الأمة أهْلُ تربيةِ السَّالكين وتأدِيبِ المُرِيدِينَ ـــ قَوْلَ «لا إلٰه إلا اللَّه» لأَهْلِ الخَلْوَةِ ـــ، وأمَرُوهم بالمداومة علَيْهَا، وقالوا: أنْفَعُ علاجٍ في دَفْعِ الوسوسةِ الإقبالُ علَىٰ ذِكْرِ اللَّه تَعالَىٰ والإكْثَارُ منْه، وقال السَّيِّدُ الجليلُ أحْمَدُ بْنُ أبي الحوارِيِّ: شَكَوْتُ إلَىٰ أبي سُلَيْمَانَ الدَّرَانِيِّ الوَسْوَاسَ، فقال: إذا أَرَدت أَنْ ينقطعَ عَنْكَ، فَأَيَّ وَقْتٍ أحْسَسْتَ به، فٱفْرَحْ، فإنك إذا فَرِحْتَ به، ٱنقطَعَ عنك؛ لأنه ليْسَ شيءٌ أبْغَضُ إلى الشيطانِ مِنْ سرورِ المؤمن، وإن ٱغْتَمَمْتَ بِه، زَادَكَ، * ت *: وهذا مما يؤيِّد ما قاله بَعْضُ الأئمة؛ أنَّ الوسواس إنما يُبْتَلَىٰ به مَنْ كَمُلَ إيمانه؛ فإن اللِّصَّ لا يقصدُ بيتاً خَرباً. انتهى، * ت *: ورأيتُ في «مختصر الطبريِّ» نَحْوَ هٰذا.

وقوله تعالى: { مِنَ ٱلْجِنَّةِ } يعني: الشياطينَ، ويظهر أنْ يَكُونَ قولُهُ: { وَٱلنَّاسِ } يراد به: مَنْ يُوَسْوِسُ بخدعة مِنَ الشَّرِّ، ويدعو إلى الباطل، فهو في ذلك كَالشَّيْطان، قال أحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ الداوديُّ: وعن ابن جُرَيْجٍ: { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } قَالَ: «إنهما وَسْوَاسَانِ، فَوَسْوَاسٌ من الجِنَّة، ووَسْوَاسٌ مِنْ نَفْسِ الإنسان» انتهى، وفي الحديث الصحيحِ، "أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا آوَىٰ إلَىٰ فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا، فَقَرأَ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا مَا ٱسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ يَبْدَأ بِهِما مِنْ رَأْسه وَوَجْهِهِ، وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ؛ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ـــ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً" .

يَقُولُ العبدُ الفقيرُ إِلى اللَّه تعالىٰ: عَبْدُ الرحمٰنِ بْنُ مُحَمِّدِ بْنِ مَخْلُوفٍ الثَّعَالِبِيُّ لَطَفَ اللَّهُ به في الدارَيْنِ: قَدْ يَسَّرَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ في إِتمام تَِلْخِيصِ هذا المختَصَر؛ وقَدْ أودَعتُهُ بحَوْلِ اللَّهِ جزيلاً من الدُّرَر، قد ٱسْتَوعَبْتُ فيه - بِحَمْدِ اللَّهِ- مُهِمَّاتِ ابْنِ عِطَيَّةَ، وأسقطْتُ كَثيراً من التَّكْرار، وما كان من الشَّواذِّ في غاية الوهي، وزدْتُ من غيره جَوَاهِرَ ونَفَائِسَ لا يُسْتَغْنَىٰ عنها مميزةً معزوَّة لِمَحَالِّها مَنْقُولةً بألفاظِهَا، وتوخَّيْتُ في جميع ذلك الصِّدْقَ والصَّواب، وإلى اللَّه أَرْغَبُ في جَزِيلِ الثواب، وقد نَبَّهْتُ بَعْضَ تَنْبِيهٍ، وعرَّفْتُ بأيام رِحْلَتِي في طَلَبِ العِلْمِ بعْضَ تعريفٍ عِنْدَ خَتْمِي لتفسير سورة الشُّورَىٰ؛ فَلْيَنْظُرْ هُنَاكَ، واللَّهُ المَسْؤُولُ أنْ يجعَلَ هذا السعْيَ منا خالصاً لوَجْهِهِ، وعملاً صالحاً يقرِّبنا إِلَىٰ مرضاته، ومَنْ وَجَدَ في هذا الكتاب تَصْحِيفاً أو خَلَلاً فَأَرْغَبُ إِلَيْهِ أَنْ يُصْلِحَهُ مِنَ الأُمِّهاتِ المَنْقُولِ منها متثبِّتاً في ذلك لا برَأْيه وبديهةِ عَقْلِهِ: [من الوافر]

فَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلاً صَحِيحــاً وَآفَتُهُ مِنَ الفَهْمِ السَّقِيـــمِ

وكان الفراغُ من تألِيفه في الخامسَ عَشَرَ مِنْ رَبِيع الأَوَّلِ مِنْ عَامِ ثَلاَثَةٍ وثَلاَثِينَ وَثَمَانِمائَةٍ وَأَنَا أَرْغَبُ إِلى كُلِّ أَخ نَظَرَ فيه أنْ يُخْلِصَ لي وَلَهُ بِدَعْوَةٍ صالحةٍ، وهذا الكتابُ لاَ يَنْبَغِي أنْ يَخْلُوَ عنه مُتَدَيِّنٌ، ومُحِبٌّ لكلامِ رَبِّه، فإِنه يَطَّلِعُ فيه عَلَىٰ فَهْمِ القرآن أجْمَعَ في أَقْرَبِ مُدَّةٍ، وليس الخَبَرُ كَالعِيَانِ، هذا مَعَ مَا خُصَّ بِهِ تَحْقِيقِ كَلامَ الأَئِمَّةِ المحقِّقينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم - نَقَلْتُهُ عَنْهُمْ بألفاظِهِمْ متحرِّياً لِلصَّوَابِ، ومِنَ اللَّهِ أَرْتَجِي حُسْنَ المَآب، وصَلَّى اللَّهُ عَلَىٰ سَيِّدِنَا محمَّد خاتَمِ النبيِّينَ، وَعَلى آله وصَحْبِهِ أجمعين، وآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحَمْدُ للَّهِ رَبِّ العالمين.