التفاسير

< >
عرض

رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ ٱلْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي ٱلدُّنُيَا وَٱلآخِرَةِ تَوَفَّنِى مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ
١٠١
ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ
١٠٢
وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ
١٠٣
وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ
١٠٤
-يوسف

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله: { رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ ٱلْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ... } الآية: ذكر كثيرٌ من المفسِّرين أنَّ يوسُفَ عليه السلام لما عَدَّد في هذه الآية نِعَمَ اللَّه عنده، تشوَّق إِلى لقاء ربِّه ولقاءِ الجِلَّة وصالحي سَلَفِهِ وغيرهم مِنَ المؤمنين، ورأَى أَن الدنيا قليلةٌ فتمنَّى المَوْت في قوله: { تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّـٰلِحِينَ }.

وقال ابن عبَّاس: لم يتمنَّ المَوْتَ نبيٌّ غَيْرُ يُوسُفَ، وذكر المهدويُّ تأويلاً آخر، وهو الأقْوَى عندي: أنه ليس في الآية تمنِّي موتٍ، وإِنما تمنى عليه السلام الموافَاةَ على الإِسلام لا المَوْتَ، وكذا قال القرطبيُّ في «التذكرة»؛ أَنَّ معنى الآية: إِذا جاء أَجَلِي، توفَّني مسلماً، قال: وهذا القول هو المختارُ عنْدَ أهل التأويل، واللَّه أعلم، انتهى، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْت لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ" ؛ إِنَّمَا يريد ضَرَر الدنيا؛ كالفَقْر، والمَرَضِ ونحو ذلك، ويبقَى تمنِّي الموت؛ مخافةَ فسادِ الدِّين مباحَاً، وقد قال صلى الله عليه وسلم في بَعْضِ أدعيته: "وَإِذَا أَرَدَتَّ بِالنَّاسِ فِتْنَةً، فَٱقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ" .

وقوله: { أَنتَ وَلِيِّي }: أي القائِمُ بأمري، الكفيلُ بنُصْرتي ورَحْمتي.

وقوله عز وجل: { ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ }: { ذَٰلِكَ }: إِشارة إِلى ما تقدَّم من قصَّة يوسُفَ، وهذه الآية تعريضٌ لقريشٌ، وتنبيهٌ على آية صدْقِ نبيِّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم، وفي ضمن ذلك الطعْنُ على مكذِّبيه، والضمير في { لَدَيْهِمْ }: عائدٌ على إِخوة يوسُفَ، و{ أَجْمَعُواْ }: معناه: عزموا، و«الأمر»، هنا: هو إِلقاء يوسُفَ في الجُبِّ، وحكى الطبري عن أبي عمران الجَوْنِيِّ؛ أَنه قال: واللَّه ما قَصَّ اللَّه نبأهم؛ ليُعَيِّرَهُمْ؛ إِنهم الأَنبياءُ مِنْ أَهْلَ الجَنَّة، ولكنَّ اللَّه قَصَّ علينا نبأهم؛ لئلاَّ يَقْنَطَ عَبْدُهُ.

وقوله سبحانه: { وَمَا أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ... } الآية خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم.

وقوله: { وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ... } الآية توبيخٌ للكفَرة، وإِقامةٌ للحُجَّةِ عليهم، ثم ٱبتدأ الإِخبَارَ عن كتابه العزيز؛ أنه ذكْرٌ وموعظةٌ لجميعِ العالَمِ، نفعنا اللَّه به، ووفَّر حظنا منه.