التفاسير

< >
عرض

قَالُواْ تَاللهِ تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ ٱلْهَالِكِينَ
٨٥
قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى ٱللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
٨٦
يٰبَنِيَّ ٱذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ
٨٧
فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا ٱلْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ ٱللَّهَ يَجْزِي ٱلْمُتَصَدِّقِينَ
٨٨
-يوسف

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { قَالُواْ تَٱللَّهِ تَفْتَؤُاْ } الآية: المعنى: تالله لا تفتأ فتحذف «لا» في هذا الموضع من القَسمِ؛ لدلالة الكلام عليها؛ فمن ذلك قول امرىء القيس: [الطويل]

فَقُلْتُ يَمِينَ اللَّهِ أَبْرَحُ قَاعِداًوَلَوْ قَطَعُوا رَأْسِي لَدَيْكِ وَأَوْصَالِي

ومنه قول الآخر: [البسيط]

تَاللَّهِ يَبْقَىٰ عَلَى الأَيَّامِ ذُو حِيَدٍ.........................

أراد: لا أبْرَحُ، ولاَ يَبْقَى، و«فَتِىءَ»: بمنزلة زَالَ وبَرَحَ في المعنَى والعملِ؛ تقول: واللَّهِ، لا فَتِئْتَ قَاعِداً؛ كما تقول: لاَ زِلْتُ وَلاَ بَرَحْتُ، وعبارة الداوودي: وعن ابن عباس: تَفْتَأُ؛ أي: لا تزالُ تَذْكُرُ يوسُفَ، { حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضاً }. انتهى، والحَرَضُ: الذي قد نهاه الهَرَمُ أو الحُبُّ أو الحُزْنُ إِلى حالِ فَسادِ الأَعضاء وَالبَدَنِ والحسِّ، يقال: رجلٌ حَارِضٌ، أي: ذو همٍّ وحزنٍ؛ ومنه قول الشاعر: [البسيط]

إِنِّي ٱمْرُؤٌ لَجَّ بِي حُبٌّ فَأَحْرَضَنِيحَتَّى بَلِيتُ وَحَتَّى شَفَّنِي السَّقَمُ

والحَرِضُ بالجملة الذي فَسَدَ ودنا موته، قال مجاهد: الحَرَضُ: ما دون الموت؛ وفي حديث النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَمْرَضُ حَتَّى يُحْرِضَهُ المَرَضُ إِلاَّ غُفِرَ لَهُ" انتهى من «رقائق ابن المبارك».

ثم أجابهم يعقوبُ عليه السلام بقوله: { إِنَّمَا أَشْكُواْ بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى ٱللَّهِ }: أي: إِني لست ممَّن يَجْزَعُ ويَضْجَرُ، وإِنما أَشكو إِلى اللَّه، والبَثُّ: ما في صَدْرِ الإِنسان مما هو مُعْتَزِمٌ أَنْ يبثه وينشره.

وقال أبو عُبَيْدة وغيره: البَثُّ: أَشدُّ الحزن قال الداووديُّ عن ابن جُبَيْر، قال: مَنْ بَثَّ، فلم يصبِرْ، ثم قرأ: { إِنَّمَا أَشْكُواْ بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى ٱللَّهِ }. انتهى.

وقوله: { وَلاَ تَاْيْـئَسُواْ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ... } الآية: «الرَّوْحُ»: الرحمة، ثم جعل اليأْسَ مِنْ رحمة اللَّه وتفريجه مِنْ صفة الكافرين؛ إِذ فيه إِما التكذيبُ بالرُّبوبية، وإِما الجهلُ بصفاتِ اللَّه تعالى، والـــ { بِضَـٰعَةٍ }: القِطْعة من المال يُقْصَدُ بها شراءُ شَيْءٍ، ولزمها عُرْفُ الفقْهِ فيما لا حَظَّ لحاملها من الربْحِ، والـــ { مُّزْجَاةٍ }: معناها: المدفوعَةُ المتحيَّل لها، وبالجملة؛ فمَنْ يسوق شيئاً، ويتلطَّف في تسييره، فقد أزجاه، فإِذا كانَتِ الدراهمُ مدفوعةً نازلةَ القَدْر، تحتاج أنْ يُعْتَذَرَ معها، ويُشْفَعَ لها، فهي مزجاةٌ، فقيل: كان ذلك لأنها كانَتْ زيوفاً، قاله ابن عباس.

وقيل: كانَتْ بضاعتهم عروضاً، وقولهم: { وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا }: معناه ما بَيْنَ الدراهم الجيادَ وبَيْنَ هذه المُزْجَاة، قاله السُّدِّيُّ وغيره وقال الداوودي عن ابن جريجٍ: { وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا }: قال: ٱرْدُدْ علينا أخانا، انتهى، وهو حسن.