وقوله تعالى: {هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَـٰهِلُونَ }، روي أنَّ يوسُف عليه السلام لما قال له إخوته:
{ { مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ } } [يوسف:88]، واستعطفوه رَقَّ ورحمهم، قال ابنُ إِسحاق: وَٱرفضَّ دمعه باكياً، فَشَرَعَ في كَشْفِ أمره إِليهم، فروي أنه حَسَرَ قناعه، وقال لَهُمْ: {هَلْ عَلِمْتُمْ...} الآية، و{مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ }: أي: التَّفْريق بينَهُما في الصِّغَر وما نالهما بسَبَبِكُم من المِحَن؛ {إِذْ أَنتُمْ جَـٰهِلُونَ}، نسبهم إِمَّا إِلى جَهْلِ المعصيةِ، وإِما إِلى جَهْلِ الشَبَابِ وقلَّةِ الحُنْكَة، فلمَّا خاطبهم هذه المخاطبة، تنبَّهوا، ووقَعَ لهم من الظَّنِّ القويِّ وقرائنِ الحال؛ أنه يوسُفُ فقالوا: {أَءِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ }؛ مستفهمين، فأجابهم يوسف كاشفاً عن أمره، {قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِي} وباقي الآية بيِّن. وقوله سبحانه: {قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدْ ءَاثَرَكَ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَـٰطِئِينَ}: هذا منهم ٱسْتِنْزالٌ ليوسُفَ، وإِقرار بالذنْبِ في ضِمْنه ٱستغفارٌ منه، و{ءَاثَرَكَ }: لفظٌ يعمُّ جميعَ التفضيل.
وقوله: {لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ } عفوٌ جميلٌ، وقال عكرمة: أوحى اللَّه إِلى يوسف بِعَفْوِكَ عَنْ إِخوتك، رَفَعْتُ لك ذكْرَك، و«التثريب»: اللوْمُ والعقوبةُ وما جَرَى معهما من سوءِ مُعْتَقَدٍ ونحوه، وعبَّر بعضُ الناس عن التثْرِيب بالتعيير، ووقَفَ بعْضُ القَرَأَةِ {عَلَيْكُم}، وابتدأ: {ٱلْيَوْمَ يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ }؛ ووقف أكثرهم: {ٱلْيَوْم} وابتدأ: {يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ } على جهة الدعاء وهو تأويلُ ابن إِسحاق والطبريِّ، وهو الصحيحُ الراجح في المعنَى؛ لأن الوقْفَ الآخِرَ فيه حُكْم على مغفرة اللَّه، اللَّهُمَّ إِلا أَنْ يكون ذلك بوَحْيٍ.