التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِىءُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ
١٢
وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَٱلْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ ٱلصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ وَهُمْ يُجَٰدِلُونَ فِي ٱللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلْمِحَالِ
١٣
لَهُ دَعْوَةُ ٱلْحَقِّ وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى ٱلْمَآءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَآءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ
١٤
-الرعد

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ... } الآية: قد تقدَّم في أول البَقَرة تفسيرُهُ، والظاهر أنَّ الخوف إِنما هو من صَوَاعِقِ البَرْق، والطَّمَع في الماء الذي يكونُ معه، وهو قولُ الحسن، و { السَّحَابَ }: جمع سحابَة؛ ولذلك جمع الصفة، والـــ { الثِّقَالَ }: معناه: بحملِ الماءِ، قاله قتادة ومجاهد، والعربُ تصفها بذلك، وروى أبو هريرة " أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا سَمِعَ الرَّعْدَ، قَالَ: سُبْحَانَ مَنْ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ" ، وقال ابن أبي زكرياء: مَنْ قَالَ إِذا سَمِعَ الرعْدَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وبِحَمْدِهِ، لَمْ تُصِبْهُ صَاعِقَةٌ.

* ت *: وعن عبد اللَّه بن عُمَرَ، قال: "كان رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَمِعَ الرَّعْدَ وَالصَّواعِقَ، قَالَ: اللَّهُمَّ، لاَ تَقْتُلْنَا بِغَضَبِكَ، وَلاَ تُهْلِكْنَا بِعَذَابِكَ، وَعَافِنَا قَبْلَ ذَلِك" ، رواه الترمذيُّ والنسائيُّ والحَاكِمُ في «المستدرك»، ولفظهم واحد انتهى من «السلاح»، قال الداووديُّ: وعن ابن عَبَّاس، قال: مَنْ سمع الرعْدَ، فقال: « سُبْحَانَ الذي يُسَبِّح الرعْد بحَمْده، والملائِكَةُ مِنْ خيفته، وهو على كلِّ شيء قدير»، فإِن أصابته صاعقةٌ، فعليَّ ديته، انتهى.

وقوله سبحانه: { وَيُرْسِلُ ٱلصَّوَٰعِقَ... } الآية: قال ابن جُرَيْج: كان سبَبُ نزولها قصَّةَ أَرْبَدَ، وعَامِرِ بن الطُّفَيْلِ، سألا النبيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يجعلَ الأمْرَ بَعْده لعامِرِ بْنِ الطُّفَيْل، ويدخلا في دِينِهِ، فأبَى عليه السلام ثم تآمَرَا في قَتْل النبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ عَامِرٌ لأَرْبَدَ: أَنا أَشْغَلُه لَكَ بالحديثِ، وٱضْرِبْهُ أَنْتَ بالسَّيْف، فجعل عامرٌ يحدِّثه، وأَرْبَدُ لاَ يَصْنَعُ شيئاً، فلما ٱنصرفا، قَالَ له عَامِرٌ: وَاللَّهِ، يَا أَرْبَدُ، لاَ خِفْتُكَ أبداً، وَلَقَدْ كُنْتُ أخافُكَ قبل هذا، فقال له أَرْبَدُ: واللَّهِ، لَقَدْ أردتُّ إِخراج السَّيْفِ، فَمَا قَدَرْتُ على ذلك، ولَقَدْ كُنْتُ أَراك بَيْنِي وبَيْنَهُ، أَفَأَضْرِبُكَ، فمَضَيَا للحَشْدِ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فأصابَتْ أَربَدُ صَاعِقَةً، فقتلَتْهُ، و{ ٱلْمِحَالِ }: القوَّة والإِهلاك.

* ت *: وفي «صحيح البخاري»: { ٱلْمِحَالِ }: العقوبة.

وقوله عز وجل: { لَهُ دَعْوَةُ ٱلْحَقِّ }: الضمير في «له» عائدٌ على ٱسْمِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ.

قال ابنُ عَبَّاس: و{ دَعْوَةُ ٱلْحَقِّ }: «لا إِلٰه إِلا اللَّه»، يريد: وما كان من الشريعةِ في معناها.

وقوله: { وَٱلَّذِينَ }: يراد به ما عُبِدَ من دون اللَّه، والضَّمير في { يَدْعُونَ } لكفَّار قريشٍ وغيرهم، ومعنى الكَلاَمِ: والذين يدعونهم الكفَّارُ في حوائِجِهِم ومنافِعِهِم { لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ }، ثُمَّ مَثَّلَ سبحانه مثالاً لإِجابتهم بالذي يَبْسُطُ كَفَّيْهِ نحو الماء، ويشير إِليه بالإِقبال إِلى فيه، فلا يبلغ فَمَهُ أَبداً، فكذلك إِجابة هؤلاء والانتفاعُ بهم لا يَقَعُ.

وقوله: { هُوَ }: يريد به الماءَ، وهو البالغُ، والضمير في { بَالِغِهِ } للفم، ويصحُّ أنْ يكون هو يراد به الفم، وهو البالغ أيضاً، والضمير في { بَالِغِهِ } للماء؛ لأن الفم لا يَبْلُغ الماء أبداً على تلك الحال، ثم أخبر سبحانه عن دعاءِ الكافرين؛ أنه في ٱنتلافٍ وضلالٍ لا يفيدُ.