التفاسير

< >
عرض

كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِيۤ أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَآ أُمَمٌ لِّتَتْلُوَاْ عَلَيْهِمُ ٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ
٣٠
وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ ٱلأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ ٱلْمَوْتَىٰ بَل للَّهِ ٱلأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ
٣١
وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ
٣٢
-الرعد

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { كَذَٰلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِيۤ أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَآ أُمَمٌ }: أي: كما أجرينا عادَتَنا، { كَذَٰلِكَ أَرْسَلْنَاكَ... } الآية.

وقوله: { وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ }: قال قتادة: نزلَتْ في قريش: لما كُتِبَ في الكتاب: { بِسْمِ اللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } في قصَّة الحُدَيْبِيَة، فقال قائلهم: نَحْنُ لاَ نَعْرِفُ الرَّحمٰن.

قال * ع *: وذلك منهم إِباءةُ ٱسمٍ فقطْ، وهروبٌ عن هذه العبارة التي لم يَعْرِفُوها إِلا مِنْ قِبَل النبيِّ عليه السلام، والـــ { مَتَابِ }: المرجعُ؛ كـــ «المآب» لأن التوبة هي الرجُوعُ.

وقوله سبحانه: { وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ ٱلأَرْضُ... } الآية: قال ابن عباس وغيره: إِن الكفَّار قالوا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: أزِحْ عَنَّا وَسَيِّرِ جَبَلِيْ مَكَّةَ، فَقَدْ ضَيَّقَا عَلَيْنَا، وَٱجْعَلْ لَنَا أَرْضَنَا قِطَعَ غِرَاسَةٍ وَحَرْثٍ، وَأَحْي لَنَا آبَاءَنَا وَأَجْدَادَنَا، وَفُلاَناً وفُلاَناً، فنزلَتِ الآيةُ في ذلك معلمةً أنهم لا يُؤْمِنُونَ، ولو كان ذلك كله.

وقوله تعالى: { أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ... } الآية: «يَيْئَس»: معناه: يعلم، وهي لغة هَوَازِنَ، وقرأ علي بن أبي طالب وابن عباس وجماعة: «أَفَلَمْ يَتَبَيَّن»، ثم أخبر سبحانه عن كُفَّار قريشٍ والعرب؛ أنهم لا يزالُونَ تصيبُهُم قوارِعُ من سرايا النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغزواته، ثم قال: «أَوْ تُحَلُّ أَنْتَ يَا محمَّد قريباً من دارهم». [هذا تأويلُ ابنُ عَبَّاس وغيره.

وقال الحسنُ بن أبي الحَسَن: المعنى: أو تَحُلُّ القارعةُ قريباً من دارهم]، و{ وَعْدُ ٱللَّهِ }؛ على قول ابن عباس وغيره: هو فَتْحُ مَكَّة، وقال الحسن: الآيةُ عامَّة في الكُفَّارِ إِلى يوم القيامة، وإِنَّ حال الكَفَرة هَكَذَا هي إِلى يوم القيامة، { وَعْدُ ٱللَّهِ }: قيامُ الساعة، والــ { قَارِعَةٌ }: الرزيَّة التي تقرع قلْبَ صاحبها.

وقوله سبحانه: { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ... } الآية: تأنيسٌ وتسليةٌ له عليه السلام، قال البخاري: { فَأَمْلَيْتُ }: أي: أطلت من المليي والملاوة؛ ومنه: مَلِيًّا، ويقال للواسِعِ الطويلِ من الأرض: مَلًى من الأرض. انتهى.