التفاسير

< >
عرض

وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَـٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ
٥
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلسَّيِّئَةِ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ ٱلْمَثُلاَتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
٦
وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ
٧
-الرعد

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَءِذَا كُنَّا تُرَاباً أَءِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ }، المعنى: وإِن تعجبْ، يا محمَّد، مِنْ جهالتهم وإِعراضِهِمْ عَنِ الحَقِّ، فهم أهْلٌ لذلك، وَعَجَبٌ غريبٌ قولُهم: أنعود بعد كوننا تراباً، خلقاً جديداً؛ { أُوْلَٰـئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ }؛ لتصميمهم على الجُحُود وإِنكارهم للبَعْث، { وَأُوْلَٰئِكَ ٱلأَغْلَـٰلُ فِي أَعْنَـاقِهِمْ }: أي: في الآخرة، ويحتملُ أنْ يكون خبراً عن كونهم مغلَّلين عن الإِيمان؛ كقوله تعالى: { { إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَـٰقِهِمْ أَغْلَـٰلاً فَهِيَ إِلَى ٱلأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ } [يس:8].

وقوله سبحانه: { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلسَّيِّئَةِ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ... } الآية: تبيينٌ لِخَطَئِهِمْ كطلبهم سقوطَ كِسَفٍ من السماء، وقولِهِمْ: { { فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَاءِ } [الأنفال:32] ونحو هذا مع نزول ذلك بأناسٍ كثيرٍ، وقرأ الجمهور: { المَثُلاَثُ } - بفتح الميم وضم الثاء -، وقرأ مجاهد «المَثَلاَثُ» - بفتح الميم والثاء - أي: الأخذة الفَذَّة بالعقوبة، ثم رجَّى سبحانه بقوله: { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ }، ثم خوَّف بقوله: { وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }: قال ابن المسيِّب: لما نَزِلَتْ هذه الآية، قال رسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لَوْلاَ عَفْوُ اللَّهِ وَمَغْفِرَتُهُ مَا تَهَنَّأَ أَحَدٌ عَيْشاً، وَلَوْلاَ عِقَابُهُ لاتَّكَلَ كُلَّ أَحَدٍ" ، وقال ابن عبَّاس: ليس في القرآن أَرجَى من هذه الآية: { والمَثُلاَثُ }: هي العقوباتُ المنكِّلات التي تجعل الإِنسان مثلاً يُتَمَثَّلُ به؛ ومنه التمثيلُ بالقَتْلى؛ ومنه: المُثْلَةُ بالعبيد.

ويقولون: { لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ }: هذه من ٱقتراحاتهم، والآية هنا يرادُ بها الأشياءُ التي سمَّتها قريشٌ؛ كالمُلْكِ، والكَنْزِ، وغيرِ ذلك، ثم أخبر تعالى بأنه منذر وهاد، قال عكرمةُ، وأبو الضُّحَى: المرادُ بـــ «الهادي» محمَّد صلى الله عليه وسلم؛ فـــ «هَادٍ» عطفٌ على «منذر»؛ كأنه قال: إِنما أَنْتَ مُنْذِرٌ وهادٍ لكلِّ قومٍ، و«هاد»؛ على هذا التأويل: بمعنى داعٍ إِلى طريق الهُدَى، وقال مجاهدٌ وابنُ زَيْد: المعنى: إِنما أَنْتَ منذِرٌ، ولكلِّ أُمَّة سَلَفَتْ هادٍ، أي: نبيٌّ يَدْعُوهم، أي: فليس أمرُكَ يا محمَّد ببدْعٍ، ولا مُنْكَر، وهذا يشبه غرَضَ الآية، وقالَتْ فرقة: «الهَادِي» في هذه الآية: اللَّه عزَّ وجلَّ، والألفاظ تَقْلَقُ بهذا المعنَى، ويعرف أنَّ اللَّه تعالَى هو الهادِي من غير هذا المَوْضِعِ، والقولانِ الأولان أَرْجَحُ ما تُؤُوِّلَ في الآية.