التفاسير

< >
عرض

ٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ
٨
عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْكَبِيرُ ٱلْمُتَعَالِ
٩
سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِٱلَّيلِ وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَارِ
١٠
لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوْمٍ سُوۤءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ
١١
-الرعد

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { ٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ }: هذه الآيات أمثالٌ منبِّهات على قدرة اللَّه تعالَى القاضِيَةِ بتجويزِ البَعْثِ، { وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ }: معناه: ما تنقُصُ، ثم ٱختلف المتأوِّلون في صُورَةِ الزِّيادة والنُّقْصَان، وجمهورُ المتأوِّلين على أنَّ غَيْضَ الرحِمِ وهو نقْصُ الدمِ على الحَمْل، وقال الضَّحَّاك: غَيْضُ الرَّحِمِ: أنْ تسقط المرأة الوَلَدَ، والزيادة أنْ تضعه لمدَّةٍ كاملةٍ، ونحوُه لقتادة.

وقوله: { وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ }: عامٌّ في كل ما يدخلُهُ التقديرُ، و{ ٱلْغَيْبِ }: ما غاب عن الإِدراكات، و{ ٱلشَّهَـٰدَةِ }: ما شُوهِدَ من الأمور.

وقوله: { ٱلْكَبِيرُ }: صفةُ تعظيمٍ، و{ ٱلْمُتَعَالِ }: من العلو.

وقوله سبحانه: { سَوَاءٌ مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ... } الآية: أيْ: لا يخفى على اللَّه شيءٌ، والـــ { سَارِبٌ }؛ في اللغة: المتصرِّف كيف شاء.

وقوله سبحانه: { لَهُ مُعَقِّبَـٰتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ }: المعنى: جعل اللَّه للعبد معقِّباتٍ يحفظونه في كلِّ حالٍ من كلِّ ما جرى القَدَرُ بٱندفاعه، فإِذا جاء المَقْدُور الواقعُ، أسلم المَرْءُ إِليه، والـــ { مُعَقِّبَـٰتٌ }؛ على هذا التأويل: الحَفَظَةُ على العِبَادِ أَعمالهم، والحَفَظَةُ لهم أيضاً؛ قاله الحسن، وروى فيه عن عثمانَ بْنِ عَفَّان حديثاً عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهذا أقوى التأويلات في الآية، وعبارةُ البخاريِّ: { مُعَقِّبَـٰتٌ }: ملائكةٌ حَفَظَةٌ يَعْقُبُ الأَوَّلُ منها الآخِرَ. انتهى.

وقالَتْ فرقةٌ: الضمير في «له» عائدٌ على ٱسمِ اللَّه المتقدِّم ذكره، أي: للَّه معقِّبات يحفظون عَبْده، والضمير في قوله: { يَدَيْهِ } وما بعده عن الضمائر عائدٌ على العَبْد، ثم ذكر سبحانه أنه لا يغيِّر هذه الحالة مِنَ الحفْظِ للعبدِ؛ حتَّى يغير العبد ما بنَفْسِهِ، والــ { مُعَقِّبَـٰتٌ }: الجماعاتُ التي يَعْقَب بعضُها بعضاً، وهي الملائكةُ، وينظر هذا إِلى قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "يَتَعَاقَبُ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بالنَّهَارِ..." الحديث، وفي قراءة أُبيِّ بْنِ كَعْب: «مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَرَقِيبٌ مِنْ خَلْفِهِ»، وقرأ ابن عباس: «وَرُقَبَاءُ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ بِأَمْرِ اللَّهِ»، وقوله: { يَحْفَظُونَهُ }: أي: يحرسونه ويذبُّون عنه، ويحفظونَ أيضاً أعماله، ثم أخبر تعالى؛ أَنه إِذا أَراد بقومٍ سوءاً، فلا مردَّ له، ولا حِفْظَ منه.