التفاسير

< >
عرض

قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَيُنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ
٣١
ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلأَنْهَارَ
٣٢
وَسَخَّر لَكُمُ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ
٣٣
وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ
٣٤
-إبراهيم

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ... } الآية: «العباد»: جمع عبدٍ، وعُرْفُه في التكرمة بخلافِ العبيدِ، و«السر»: صدقة التنقُّل، و«العلانية»: المفروضةُ؛ هذا هو مقتضى الأحاديثِ، وفسر ابن عباس هذه الآية بزكَاةِ الأَموالِ مجملاً، وكذلك فسَّر الصلاة؛ بأَنها الخَمْسُ وهذا عندي منه تقريبٌ للمخاطَب. و«الخلال»: مصدرٌ من «خَالَلَ»، إِذا وادَّ وصافَى؛ ومنه الخُلَّة والخَلِيلَ، والمراد بهذا اليومِ يَوْمُ القيامة.

وقوله سبحانه: { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزْقاً لَّكُمْ }: هذه الآيةُ تذكيرٌ بآلائه سُبْحانه، وتنبيهٌ على قدرته التي فيها إِحْسَان إِلى البَشَر؛ لتقوم الحُجَّة عليهم، وقوله: { بِأَمْرِهِ }: مصدر أَمَرَ يَأْمُرُ، وهذا راجعٌ إِلى الكلامِ القديمِ القائِمِ بالذاتِ، و{ دَائِبَيْنِ }: معناه: متمادِيَيْنِ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لصاحب الجَمَلِ الذي بَكَى وأَجْهَش إِليه: « إِنَّ هَذَا الجمَلَ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبَه»، أي: تديمه في الخِدْمَة والعَمَل، وظاهرُ الآية أنَّ معناه: دائبَيْن في الطلوع والغروبِ وما بينهما من المَنَافِعِ للناسِ التي لا تحصَى كثرةً، وعن ابن عباس أَنَّه قال: معناه: دائِبَيْنِ في طاعة اللَّه، وقوله سبحانه: { وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ } المعنى: أنَّ جنس الإِنسان بجملته قد أوتي من كلِّ ما شأنه أنْ يسأل وينتفع به، وقرأ ابن عباس وغيره: «مِنْ كُلٍّ مَّا سَأَلْتُمُوهُ» - بتنوين كُلٍّ -، وروِيت عن نافع، وقوله تعالى: { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا }، أي: لكثرتها وعِظَمها في الحَوَاس والقُوَى، والإِيجادِ بعد العَدَمِ والهدايةِ للإِيمان وغيرِ ذلك، وقال طَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ: إِنَّ حقَّ اللَّه تعالى: أَثْقَلُ من أَنْ يَقُومَ به العُبَّادُ، ونِعْمَهُ أَكثر مِنْ أَنْ يحصيها العبَادُ، ولكنْ أصْبِحُوا توَّابين، وأمْسُوا تَوَّابِين.

* ت *: وَمِنْ «الكَلِمِ الفارقيَّة»: أيها الحَرِيصُ على نيلِ عَاجِلِ حظِّه ومراده؛ الغافلُ عن الاستعداد لمعاده تنبَّه لعظمة مَنْ وجودُكَ بإِيجادِهِ؛ وبقاؤك بإِرْفاده؛ ودوامك بإِمداده، وأنْتَ طفلٌ في حَجْر لُطْفه؛ ومهد عَطْفه؛ وحضانة حفظه، يغذِّك بلِبَانِ بِرِّهِ؛ ويقلِّبك بأيدي أياديه وفضله؛ وأنتَ غافلٌ عن تعظيم أمره؛ جاهلٌ بما أولاَكَ من لَطِيف سِرِّه؛ وفضَّلك به على كثيرٍ من خَلْقه، وٱذْكُرْ عهد الإِيجاد، ودوام الإِمْدَاد والإِرفاد؛ وحالَتَيِ الإِصْدَار والإِيراد؛ وفاتحة المبدأ وخاتمةَ المَعَاد. انتهى.

وقوله سبحانه: { إِنَّ ٱلإِنسَـٰنَ }: يُريدُ به النوَعَ والجنْسَ، المعنَى: توجَدُ فيه هذه الخِلاَلُ، وهي الظُّلْم والكُفْر، فإِن كانَتْ هذه الخِلاَلُ من جاحِدٍ، فهي بصفةٍ، وإِن كانَتْ من عاصٍ فهي بصفةٍ أُخرَى.