التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ
٤٥
ٱدْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ
٤٦
وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَٰناً عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِينَ
٤٧
لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ
٤٨
نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ
٤٩
وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ ٱلْعَذَابُ ٱلأَلِيمُ
٥٠
-الحجر

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّـٰتٍ وَعُيُونٍ * ٱدْخُلُوهَا بِسَلامٍ... } الآية: الــ { سَلَـٰم }؛ هنا: يحتمل أن يكونَ السَّلامة، ويحتمل أن يكون التحيَّة، والـــ { غِلٍّ }: الحقْد، قال الداووديُّ: "عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم... } الآية، قال: إِذَا خَلَصَ المُؤْمِنُونَ مِنَ الصِّرَاطِ، حُبِسُوا عَلَى صِرَاطٍ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيُقْتَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ بِمَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا، أُذِنَ لَهُمْ في دُخُولِ الجَنَّةِ، وَاللَّهِ، لأَحَدُهُمْ أَهْدَى بِمَنْزِلِهِ فِي الجَنَّةِ مِنْ مَنْزِلِهِ في الدُّنْيَا" . انتهى.

والـ { سُّرُرٍ }: جمع سرير، و{ مُّتَقَـٰبِلِينَ }: الظاهر أن معناه: في الوجوه، إِذ الأسرَّة متقابلةٌ، فهي أحْسَنُ في الرتبة.

قال مجاهد: لاَ يَنْظُرُ أَحَدُهُمْ في قفا صاحبه، وقيل غير هذا مما لا يعطِيهِ اللفْظُ، والـ { نَصَبٌ }: التعب، و{ نَبِّئْ }: معناه: أعْلِم.

قال الغَزَّالِيُّ رحمه اللَّه في «منهاجه»: «ومن الآيات اللطيفة الجامعةِ بَيْنَ الرجاءِ والخَوْفِ قولُهُ تعالى: { نَبِّئ عِبَادِي أَنِّي أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ }، ثم قال في عَقِبَهُ: { وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ ٱلْعَذَابُ ٱلأَلِيمُ }؛ لئِلاَّ يستولي عَلَيْكَ الرجاءِ بِمَرَّة، وقوله تعالى: { { شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ } [غافر:3]، ثم قال في عقبه: { { ذِي ٱلطَّوْلِ } [غافر:3]، لَئِلاَّ يستولي عَلَيْكَ الخوف، وأَعْجَبُ من ذلك قَولُهُ تعالَى: { { وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ } [آل عمران:30]، ثم قال في عَقِبَهُ: { { وَٱللَّهُ رَءوفٌ بِٱلْعِبَادِ } [آل عمران:30]، وأعجَبُ منه قولُهُ تعالَى: { { مَّنْ خَشِيَ ٱلرَّحْمَـٰنَ بِٱلْغَيْبِ } [ق:33]، فعلَّق الخشية بٱسْمِ الرحمٰنِ، دون اسْمِ الجَبَّار أو المنتقِمِ أو المتكبِّر ونحوه، ليكون تخويفاً في تأمينٍ، وتحريكاً في تسكينٍ كما تقولُ: «أَما تخشى الوالدةَ الرحيمة، أمَا تخشى الوالِدَ الشَّفِيقَ»، والمراد من ذلك أنْ يكونَ الطَّريقُ عدلاً، فلا تذهب إِلى أَمْنٍ وقنوطٍ جعلنا اللَّه وإِيَّاكم من المتدبِّرين لهذا الذكْرِ الحكيمِ، العامِلِينَ بما فيه، إِنه الجَوَادُ الكَريم انتهى.