التفاسير

< >
عرض

سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ
١
-الإسراء

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

قوله عزَّ وجلَّ: { سُبْحَٰنَ ٱلَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ }: جل العلماء على أن الإسراء كان بشَخْصه صلى الله عليه وسلم، وأنه ركِب البُرَاق من مكَّة، ووصل إِلى بيت المقدس، وصلَّى فيه، وقالتْ عائشة ومعاوية: إِنما أُسْرِي بِرُوحه، والصحيحُ ما ذهب إليه الجمهورُ، ولو كانتْ منامةً، ما أمكن قريشاً التشنيعُ، ولا فُضِّل أبو بكر بالتصديق، ولا قالَتْ له أمُّ هانىء: لا تحدِّث الناس بهذا، فيكذِّبوك، إِلى غير هذا من الدلائل، وأما قول عائشة فإنها كانت صغيرة، ولا حدثَتْ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وكذلك معاوية.

قال ابن العربيِّ: قوله تعالى: { سُبْحَٰنَ ٱلَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً } قال علماؤنا: لو كان للنبيِّ صلى الله عليه وسلم ٱسْمٌ هو أشرَفُ منه، لسماه اللَّه تعالى به في تلك الحَالةِ العَلِيَّة، وقد قال الأستاذ جمال الإِسلام أبو القاسم عبد الكريم بن هَوَازِنَ: لما رَفَعه اللَّه إِلى حضرته السَّنِيَّةِ وأرقاه فوق الكواكِب العُلْويَّة؛ الزمه اسم العبوديَّة، تواضُعاً وإِجلالاً للألوهية. انتهى من «الأحكام».

و{ سُبْحَٰنَ } مصدر معناه: تنزيهاً للَّه، وروى طلحة بن عبيد اللَّه الفَيَّاض أحد العَشَرة، أنه قال للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: ما معنى سبحان اللَّه؟ قال: تَنْزِيهُ اللَّه مِنْ كُلِّ سوء، وكان الإسراء فيما قال مقاتِلٌ وقتادةُ: قبل الهجرة بعامٍ، وقيل: بعام ونصفٍ، والمتحقِّق أن ذلك كان بَعْدَ شَقِّ الصحيفة، وقبل بيعة العقبة، ووقع في «الصحيحين» لشَرِيك بن أبي نَمِرٍ، وَهْمٌ في هذا المعنى؛ فإنه روى حديثَ الإِسراء، فقال فيه: وذلك قبل أنْ يوحى إِليه، ولا خلاف بين المحدِّثين؛ أن هذا وَهْمَ من شريك.

قال * ص *: { أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ } بمعنى: سَرَى، وليست همزتُهُ للتعدية، بل كـــ«سَقَى وَأَسْقَى»، والباء للتعدية، و{ لَيْلاً } ظرفٌ للتأكيد؛ لأن السُّرَى لا يكون لغةً إِلا بليلٍ، وقيل: يعنى به في جوف الليل، فلم يكن إِدْلاجاً ولا ٱدِّلاَجاً انتهى.

و{ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَى }: بيت المقدس، «والأقصى» البعيدُ، والبركة حولَهُ منْ وجهين:

أحدهما: النبوَّة والشرائعُ والرسُل الذين كانوا في ذَلِكَ القُطْر، وفي نواحيه.

والآخر: النِّعَم من الأشجار والمياه والأرض المفيدة.

وقوله سبحانه: { لِنُرِيَهُ } يريد لنري محمَّداً بعينه آياتنا في السموات والملائكة والجَنَّةَ والسِّدْرةَ وغير ذلك من العجائبِ، مما رآه تلك الليلة، ولا خلاف أنَّ في هذا الإِسراء فُرِضَت الصلواتُ الخمسُ على هذه الأمة.

وقوله سبحانه: { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ } وعيد للمكذِّبين بأمر الإِسراء، أي: هو السميع لما تقولون، البصير بأفعالكم.