التفاسير

< >
عرض

كۤهيعۤصۤ
١
ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ
٢
إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيّاً
٣
قَالَ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنِّي وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً
٤
وَإِنِّي خِفْتُ ٱلْمَوَالِيَ مِن وَرَآءِى وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً
٥
يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَٱجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً
٦
يٰزَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ ٱسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً
٧
قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ ٱلْكِبَرِ عِتِيّاً
٨
قَالَ كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً
٩
قَالَ رَبِّ ٱجْعَل لِيۤ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيّاً
١٠
فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ ٱلْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيّاً
١١
-مريم

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

قوله عزَّ وجل: { كۤهيعۤصۤ } قد تقدَّمَ الكلامُ في فواتح السوَرِ.

وقوله: { ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ } مرتَفِعٌ بقولهِ: { كۤهيعۤصۤ } في قَوْلِ فرقَةٍ.

وقيل: إنَّهُ ارتفعَ على أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدأ محذوفٍ تَقْديرُهُ: هذا ذكر، وحكَى أبو عمرو الدَّانِي عن ابن يعمر أَنَّه قرأ: «ذَكِّر رَحْمَة رَبِّكَ»: بفتح الذَّالِ، وكسر الكافِ المشدَّدة، ونصبِ الرَّحمة.

وقوله { نَادَىٰ }: مَعناه بالدُّعَاءِ والرغبَةِ؛ قاله ابنُ العربيِّ في «أحكامه».

وقوله تعالى: { إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً }: يناسِبُ قَوْلَهْ: { { ٱدعوا ربَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً } [الأعراف:55].

وفي «الصحيح» عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنه قَال: "خيرُ الذَّكْرِ الخفيُّ، وخيرُ الرِّزقِ ما يَكْفِي" وذلك؛ لأَنَّهُ أَبْعَدُ مِن الرياء، فأَمَّا دُعاءُ زكرياء عليه السلام فإنما كان خفيّاً لوجهين:

أَحدُهُما: أَنَّهُ كان ليلاً.

والثاني: أَنَّهُ ذَكَرَ في دُعَائه أَحوالاً تفتقرُ إلى الإخفَاءِ؛ كَقَوْلِهِ: { وَإِنِّي خِفْتُ ٱلْمَوَٰلِيَ مِن وَرَآئِي }. وهذا مما يُكْتَمُ. انتهى.

و { وَهَنَ ٱلْعَظْمُ } معناه ضَعُفَ، { وَٱشْتَعَلَ } مُسْتَعَارٌ للشيْب منِ اشتعال النَّار.

وقولهُ: { وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً } شُكْر للّه ـــ عز وجل ـــ على سالف أياديه عنده، معناه: قد أَحسنتَ إليَّ فيما سلَف، وسعدتُ بدعائي إيَّاك؛ فالإنعامُ يقتضي أَنْ يشفع أَوله آخره.

* ت *: وكذا فسَّر الدَّاوُودِيُّ، ولفظه: «ولم أَكنْ بدُعائِك رَبِّ شقيّاً»، يقولُ: كنْتَ تعرفني الإجابَة فيما مَضىٰ، وقاله قتادةُ: انتهى.

وقوله: { وَإِنِّي خِفْتُ ٱلْمَوَٰلِيَ... } الآية، قيل: معناه خاف أَن يرثَ الموَالي مَالَهُ، والموالي: بنو العمّ، والقرابةُ.

وقولُه { مِن وَرَآئِي } أَيْ: من بعدي.

وقالت فرقةٌ: إنما كان مواليه مهمِلينَ للدِّين؛ فخاف بموته أَنْ يضَيع الدينُ؛ فطلب وليّاً يقومُ بالدين بعده؛ حَكَى هذا القولَ: الزَّجَّاجُ، وفيه: أَنه لا يجوزُ أَن يسأل زَكَرِيَّاءُ من يرث ماله؛ إذاِ الأَنبيَاءِ لا تُورَثُ.

قال * ع *: وهذا يُؤَيّده قولُه صلى الله عليه وسلم: "إنَّا مَعْشَرَ الأَنْبِيَاءِ لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا، فَهُو صَدَقَة" . والأَظهرُ الأَلْيق بزكرياء عليه السلام أَن يريدَ وِرَاثةَ العِلْم والدِّينِ، فتكون الوارثةُ مستعارةً، وقد بلغه اللّه أَمَلَهُ.

قال ابنُ هِشَامٍ: و { مِنْ وَرآئِي } متعلّقٌ بـ { ٱلْمَوَٰلِيَ }، أو بمحذوفٍ هو حالٌ من الموالي، أو مُضَاف إليهم، أَيْ: كائِنِينَ مِنْ وَرَائي، أو فعَل الموالي مِنْ ورائي، ولا يصحّ تعلقه بـــ «خِفْتُ»؛ لفساد المعنى. انتهى. من «المغني».

و { خِفْتُ ٱلمَوَٰلِيَ }، هي قراءةُ الجمهور، وعليها هو هذا التفسير.

وقرأ عثمانُ بنُ عَفَّانَ، وزيدُ بنُ ثابتٍ، وابنُ عباسٍ، وجماعةٌ «خَفَّتِ» بفتح الخاء، وفتح الفاء، وشدِّها، وكَسْر التَّاء، والمعنى على هذا: قد انقَطَع أَوْلِيَائِي، وماتُوا، وعلى هذه القراءة، فإنما طلب وَليَّا يقوم بالدين.

قال ابنُ العربي في «أحكامه»: ولم يخف زكرياءُ وارثَ المالِ، وإنما أَراد إرْثَ النبوءة، وعليها خاف أَن تخرج عن عَقِبه، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنه قال: " إنَّا ـــ معَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ ـــ لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَة" انتهى.

وقرأ عليُّ بنُ أَبي طَالِبٍ، وابنُ عباسٍ، وغيرُهما ـــ رضي اللّه عنهم ـــ «يرِثُنِي وَارِثٌ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ».

* ت *: وقوله: { فَهَبْ لِي } قال ابنُ مَالكٍ في «شرح الكافية» اللامُ هنا: هي لامُ التعدِيَة؛ وقاله ولدُه في «شرح الخلاصة».

قال ابنُ هشام: والأَوْلَىٰ عندي أن يمثل للتعدية بنحو: ما أكرم زيداً لعمرو، وما أحبه لبكر، انتهى.

وقولُه: { مِن ءَالِ يَعْقُوبَ } يريدُ يرث منهم الحِكْمة، وكذلك العاقرُ من الرجال.

وقوله: { لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً } معناه في اللغة: لم نجعل له مُشَارِكاً في هذا الاسم، أي: لم يسم به قبل يَحْيىٰ، وهذا قول ابن عباس وغيره.

وقال مجاهدُ: وغيره: { سَمِيّاً } معناه: مثيلاً، ونظيراً، وفي هذا بعدٌ: لأَنه لا يفضل على إبرَاهِيم ومُوسَىٰ عليهما السلام إلا أن يفضل في خاص؛ كالسودد، والحصر.

والعتي، والعُسِيُّ: المبالغة في الكبر، أو يُبْس العود، أو شيْب الرأس، أو عقيدة ما، وزكرياء: هو من ذرية هارون - عليهما السلام - ومعنى قوله: { سَوِيّاً } فيما قال الجمهور، صحيحاً من غير عِلَّة، ولا خرس.

وقال ابن عباس: ذلك عائدٌ على الليالي، أراد: كاملات مستويات.

وقوله: { فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ } قال قتادة، وغيره: كان ذلك بإشارة.

وقال مجاهد: بل بكتابة في التراب.

قال * ع *: وكِلاَ الوجهين وَحْي.

وقوله: { أَنْ سَبِّحُواْ } قال قتادة: معناه صلوا السُّبْحة، والسُّبحةْ: الصلاة، وقالت فرقة: بل أَمرهم بذكر اللّه، وقول: سُبْحان اللّه.