التفاسير

< >
عرض

قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً
٢٠
قَالَ كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلْنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً
٢١
فَحَمَلَتْهُ فَٱنْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً
٢٢
فَأَجَآءَهَا ٱلْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ قَالَتْ يٰلَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً
٢٣
-مريم

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

{ قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَـٰمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً }، والبغي: الزانية، وروي: أن جبريلَ ـــ عليه السلام ـــ حين قاولها هذه المقاولة، نفخ في جيب دِرْعها؛ فسرت النفخة بإذن اللّه تعالى حتَّى حملت منها؛ قاله وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ، وغيرُهُ.

وقال أُبيُّ بنُ كَعْبٍ: دخل الروح المنفوخُ من فمها؛ فذلك قوله تعالى: { فَحَمَلَتْهُ } أي: فحملت الغلام، ويذكر أَنها كانت بنت ثلاث عشرة سنة، فلمَّا أحسَّت بذلك، وخافت تعنيفَ الناس، وأَن يُظنَّ بها الشَّرُ { انتَبَذَتْ } أيْ: تنحت مكاناً بعيداً؛ حياء وفراراً على وجهها، و{ أَجَآءَهَا } معناه: اضْطرّها، وهو تعدية [جاء] بالهمزة.

و{ ٱلْمَخَاضُ }: الطّلْقُ، وشدةُ الولادة، وأَوْجَاعُها، وروي: أَنّها بلغت إلىٰ موضعٍ كان فيه جِذْع نخلة بالٍ يابس، في أَصْله مِذْود بقرة، على جرية ماء، فاشتدَّ بها الأَمْرُ هنالك، واحتضنت الجِذْع؛ لشدة الوجع، وولدت عيسى عليه السلام فقالت عند ولادتها؛ لما رأته من صعُوبة الحال مِنْ غير ما وجهَ: { يٰلَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا } فتمنت الموتَ من جهة الدّين؛ أَن يُظَنّ بها الشر، وخوفَ أَن تُفْتَتَن بتعْيِير قومها، وهذا مُباحٌ؛ وعلى هذا الحدِّ تمناه عمرُ - رضي اللّه عنه -.

{ وَكُنتُ نَسْياً } أيْ: شَيْئاً مَتْرُوكاً محتقراً، والنَّسِيُّ في كلام العرب؛ الشيءُ الحقير الذي شأنه أَن يُنْسَى، فلا يُتَأَلَّمُ لفقده؛ كالوتد، والحبل للمسافر، ونحوه.

وهذه القصةُ تقتضي أَنها حملت واستمرَّت حامِلاً على عُرْف البشر، واستحْيَتْ من ذلك؛ ومرّت بسببه، وهي حاملٌ، وهو قولُ جمهور المتأوِّلين.

وروى عن ابن عباسٍ أَنه قال: ليس إلا أَن حملت، فوضعت في ساعةٍ واحدة؛ والله أعلم.

وظاهر قوله: { فَأَجَاءَهَا ٱلْمَخَاضُ } أَنها كانت على عُرْف النساء.