التفاسير

< >
عرض

قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيۤ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً
٤٧
وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىۤ أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّي شَقِيّاً
٤٨
فَلَمَّا ٱعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيّاً
٤٩
وَوَهَبْنَا لَهْم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً
٥٠
-مريم

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقولهُ: { قَالَ سَلَـٰمٌ عَلَيْكَ } اختُلِف في معنى تَسْلِيمه علىٰ أَبِيهِ، فقال بعضُهم: هي تحيةُ مفارقٍ, وجوَّزوا تحيةَ الكَافِر وأَن يُبْدَأ بها.

وقال الجمهورُ: ذلك السلامُ بمعنى المُسَالمةِ، لا بمعنى التَّحِيَّة.

وقال الطبريّ: معناه أَمَنَة مِنّي لك؛ وهذا قول الجمهُورِ؛ وهم لا يَروْن ابتداءَ الكافِرِ بالسَّلاَم.

وقال النَّقَّاشُ: حليمٌ خاطب سَفِيهاً؛ كما قال تعالى: { { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلجَـٰهِلُونَ قَالُواْ سَلَـٰماً } [الفرقان:63].

قوله: { سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي } معناه: سأَدْعُو اللّه تعالى في أَن يَهْدِيَكَ, فيغفِرَ لك بإيمانك، ولمّا تبيَّن له أَنه عدوٌّ للَّه تبرّأَ منه.

والحِفيُّ: المهتبلُ المتلطِّف، وهذا شُكْر من إبراهيمَ لنعم اللّه تعالى عليه، ثم أَخبر إبراهيمُ عليه السلام بأَنه يعتزلهم، أَيْ: يصيرعنهم بمعْزِل, ويروى: أَنهم كانوا بأَرض كُوثَى، فرحل عليه السلام حَتَّىٰ نزل الشامَ، وفي سفرته تلك لقِي الجبَّار الَّذي أَخْدم هاجرَ... الحديثَ الصحيح بطوله، و{ تَدْعُونَ } معناه: تعبدون.

وقوله: { عَسَىٰ }: تَرَجٍّ في ضمنه خَوْفٌ شديد.

وقوله سبحانه: { فَلَمَّا ٱعْتَزَلَهُمْ... } إلى آخر الآية: إخبار من اللّه تعالى لنبِيّه صلى الله عليه وسلم أَنَّه لما رَحَل إبراهيم عن بلد أَبِيه وقومه، عوّضَهُ اللّهُ تعالى من ذلك ابنَهُ إسحاق، وابنَ ٱبْنِهِ يعقوبَ - على جميعهم السلام - وجعلَ الولدَ له تَسْلِيةً، وشَدًّا لِعَضُدِهِ.

وإسحاقُ أَصغر من إسماعيل، ولما حملت هاجرِ بإسْمَاعِيل، غارَتْ سَارَةُ؛ فحملت بإسحاقِ، هكذا فيما روي.

وقوله تعالى: { وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِّن رَّحْمَتِنَا } يريد: العِلْم، والمنزِلَة، والشَّرَف في الدنيا، والنَّعيم في الآخرة؛ كُلُّ ذلك مِنْ رَحْمة اللّه عز وجل، ولِسَانُ الصَّدْق: هو الثَّناءُ البَاقِي عليهم آخر الأَبد؛ قاله ابنُ عباس وإبراهيمُ الخليل صلى الله عليه وسلم وذريته مُعظَّمة في جميع الأُمم والمِلَل.

قال * ص *: و{ كُّلاً جَعَلْنَا نَبِيّاً } أَبو البقاء: هو منصوبٌ بـ { جَعَلْنَا } انتهى.