التفاسير

< >
عرض

مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ
٥٥
وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَىٰ
٥٦
قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يٰمُوسَىٰ
٥٧
فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَٱجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ مَكَاناً سُوًى
٥٨
قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ ٱلزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحًى
٥٩
فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَىٰ
٦٠
قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ ٱفْتَرَىٰ
٦١
فَتَنَازَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ
٦٢
قَالُوۤاْ إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ
٦٣
فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ ثُمَّ ٱئْتُواْ صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ ٱلْيَوْمَ مَنِ ٱسْتَعْلَىٰ
٦٤
قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ
٦٥
قَالَ بَلْ أَلْقُواْ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ
٦٦
-طه

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ } يريد من الأَرض { وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ } أَيْ: بالموت، والدفن. { وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ } أيْ: بالبعث ليوم القيامة.

وقوله: { وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا } إخبار لنبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم.

وقوله { كُلَّهَا } عائد على الآيات التي رآها فرعون، لا أنه رأى كلَّ آية للَّه عز وجل وإنما المعنى: أن اللَّه أراه آيات ما؛ كاليد، والعصا، والطّمْسة، وغير ذلك. وكانت رؤيتُه لهذه الآياتِ مستوعبة يرى الآياتِ كلَّها كاملةً. ومعنى { سُوىً } أَيْ: عَدْلاً ونصفَه، أي: حالنا فيه مُستَوِيَة.

وقالت فرقة: معناه مستوياً من الأرض؛ لا وهْدَ فيه، ولا نشز، فقال موسَى: { موعدكم يوم الزينة } وروي. أَنَّ يوم الزينة كان عيداً لهم، ويوماً مشهوراً.

وقيل: هو يوم كسر الخليج الباقي إلى اليوم.

وقوله: { وَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ } عطفاً على { ٱلزِّينَةِ }؛ فهو في موضع خفض.

{ فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ } أي: جمع السحرةَ، وأمرهم بالاِسْتعدَادِ لموسى، فهذا هو كيدُه.

{ ثُمَّ أَتَىٰ } فرعونُ بجمعه، فقال موسى للسحرة: { وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } وهذه مُخَاطَبةُ مُحَذّر، وندبَهم في هذه الآية إلى قول الحق إذا رأوه، أَلاَّ يباهتوا بكذب؛ { فَيُسْحِتَكُم } أيّ: فيهلككم، ويذهبكم، فلما سمع السَّحَرَةُ هذه المقالةَ، هالهم هذا المنزع، ووقع في نفوسهم من هَيْبتِه شديد الموقع. و { تَنَازَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ } والتنازُعُ يقتضي ٱختلافاً كان بينهم في السرِّ؛ فقائلٌ منهم يقول: هو محقٌّ، وقائل يقول: هو مُبْطل، ومعلوم أن جميع تناجيهم إنما كان في أمر موسى عليه السلام و { ٱلنَّجْوَىٰ } المسارة، أي: كل واحد يناجي مَنْ يليه سِرّاً؛ مخافةً من فرعون أن يتبين له فيهم ضعف.

وقالت فرقة: إنما كان تناجِيهم بالآية التي بعد هذا.

{ إِنْ هَـٰذَانِ لَسَـٰحِرَٰنِ } قرأ نافعٌ، وابنُ عامرٍ، وحمزةُ والكسائيُّ: «إنَّ هذان لساحران» فقالت فرقةٌ: قوله: «إِن» بمعنى: نعم؛ كما قال صلى الله عليه وسلم إن الحمدُ للَّه، برفع الحمد.

وقالت فرقةٌ: إنّ هذه القراءةَ على لغةِ بَلْحَارِث بن كعْب، وهي إبقاء ألف التثنية في حال النَّصْبِ، والخِفْضِ، وتُعْزىٰ هذه اللغة لكِنَانةَ، وتُعْزى لخثْعَم.

وقال الزجاج: في الكلام ضميرٌ تقديره: إنه هذان لساحران

وقرأ أبو عَمْرو وَحْدَه: «إنَّ هَذَيْنِ لَسَاحِرَانِ».

وقرأ ابنُ كثيرٍ: «إنْ هَذَانِّ لسَاحِرَانِّ» بتخفيف إنَّ، وتشديد نون هذان لساحران.

وقرأ حفصٌ عن عاصِمٍ: «إنْ» بالتخفيف «هَذَانِ» خفيفة أَيْضاً «لَسَاحِرَانِ».

وعبّر كَثيرٌ من المفسرين عن الطريقة بالسادة أهْل العَقْل والحِجَا؛ وحكوا أن العرب تقول: فلانٌ طريقَةُ قومِه، أيْ: سيدهم، وإلا ظهر في الطريقة هنا أَنها السِّيرة، والمملكة، والحال الَّتي كانُوا عليها.

و { المُثْلَىٰ } تأنِيث أَمثل، أي: الفاضلة الحسنة.

وقرأَ جمهورُ القرَّاء: «فأَجْمِعوا»: بقطْع الهمزة، وكسْرِ الميم؛ على معنى: ٱنفذُوا، وٱعزِمُوا.

وقرأ أو عمرو وَحْدَهُ «فَٱجْمَعُوا» من جمع، أي: ضموا سِحْركم بعضه إلى بعض.

وقوله { صفا } أي: مصطفين، وتداعوا إلى هذا؛ لأنه أهْيب، وأظهر لهم، { وأفْلَحَ } معناه: ظفر بِبُغْيَته، وباقي الآية بيِّن مما تقدم.