التفاسير

< >
عرض

وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَمَا كَانُواْ خَالِدِينَ
٨
ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ ٱلْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَآءُ وَأَهْلَكْنَا ٱلْمُسْرفِينَ
٩
لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
١٠
وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ
١١
فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنَآ إِذَا هُمْ مِّنْهَا يَرْكُضُونَ
١٢
-الأنبياء

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ } قيل: الجَسَدُ من الأحياءِ: ما لا يَتَغَذَّى، وقيل: الجسد يَعُمُّ المُتَغَذَّي من الأجسامِ وغيرَ المتغذي فـ { جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً } على التَّأَوِيلِ الأَول: مَنْفِيٌّ، وعلى الثاني: مُوجِبٌ، والنفيُ واقعٌ على صِفَتِهِ.

وقوله سبحانه: { ثُمَّ صَدَقْنَـٰهُمُ ٱلْوَعْدَ } الآية، هذه آية وعيدٍ.

وقوله: { وَمَن نَّشَاءُ } يعني مِنَ المؤمنين، و { ٱلْمُسْرِفِينَ }: الكُفَّارُ، ثم وَبَّخَهُمْ تعالى بقوله: { لَقَدْ أَنزَّلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَـٰباً } يعني: القرآن، { فِيهِ ذِكْرُكُمْ }، أي: شَرَفُكُمْ، آخر الدَّهْر، وفي هذا تحريضٌ لهم، ثم أَكَّدَ التحريضَ بقوله: { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } و { كَمْ } للتكثير، و { قَصَمْنَا } معناه: أهلكنا، وأَصْلُ القصم: الكَسْرُ في الأَجْرَامَ، فَإذا اسْتُعِيرَ للقوم والقرية ونَحْوِ ذلك فهو ما يُشْبِهُ الكُسْرَ وهو إهْلاَكُهُم، و { أَنشَأْنَا }، أي: خلقنا وَبَثَثْنَا أَمَّةً أُخْرَى غَيْرَ المُهْلَكَةِ.

وقوله: { فَلَمَّا أَحَسُّواْ } وَصْفٌ عن حالِ قريةٍ من القُرَى المُجْمَلَةِ أَوَّلاً؛ قيل: كانت بالْيَمَنِ تُسَمَّى «حضور»، بَعَثَ اللَّه تعالى إلى أَهْلِها رسولاً فقتلوه، فَأَرْسَلَ اللَّه تعالى عليهم بختنصر صَاحِبَ بني إسرائيل فَهَزَمُوا جَيْشَهُ مرتين، فَنَهَضَ في الثالثة بنفسِهِ، فلما هزمهم، وأَخَذَ القَتْلَ فيهمَ رَكَضُوا هاربين، ويُحتَملُ أنْ لا يريدُ بالآية قريةً بعينها، وأَنَّ هذا وَصْفُ حالِ كُلِّ قريةٍ من القرى المُعَذَّبَة إذا أَحَسُّوا العذابَ؛ من أي نوع كان، أَخذوا في الفرار و { أَحَسُّواْ } باشروه بالحواسِّ.

* ص *: { إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ } «إذا» الفجائية، وهي وما بعدها جواب لما. انتهى.