التفاسير

< >
عرض

وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ ٱلْخَالِدُونَ
٣٤
كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ
٣٥
-الأنبياء

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله عزَّ وجل: { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ... } الآية، وتقديرُ الكلام: أَفَهُمُ الخالدون إنْ مِتَّ؟!

وقوله سبحانه: { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ ٱلْمَوْتِ... } الآية: موعظةٌ بليغةٌ لِمَنْ وُفِّقَ؛ قال أَبو نُعَيْم: كان الثَّوْرِيُّ (رضي اللّه عنه) إذَا ذَكَرَ الموتَ لا يُنْتَفَعُ به أَيَّاماً. انتهى. من «التذكرة» للقرطبيِّ.

قال عبدُ الحقِّ في «العاقبة»، وقد أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بذكر الموتِ، وأَعَادَ القولَ فيه؛ تهويلاً لأَمرهِ، وتعظيماً لشأْنِهِ، ثم قال: واعلم أَنّ كثرةَ ذِكْرِ الموت يُرْدِعُ عن المعاصي، ويلين القلب القاسي.

قال الحسن ما رأيت عاملاً قطُّ إلا وجدته حَذِراً من الموت, حزيناً من أَجْلِهِ، ثم قال: واعلم: أَنَّ طُولَ الأَمَلِ يكسل عن العمل، ويُورِثُ التواني، ويخلد إلى الأرض، ويُمِيلُ إلى الهوى، وهذا أَمرٌ قد شُوهِدَ بالعيان؛ فلا يحتاج إلى بيان، ولا يُطَالَبُ صَاحِبُهُ بالبرهان؛ كما أَنَّ قِصَرَهُ يبعث على العَمَلِ، وَيَحْمِلُ على المُبَادَرَةِ، ويَحُثُّ على المسابقة؛ قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أنا النَّذِيرُ والمَوْتُ المُغِيرُ، والسَّاعَةَ المَوْعِدُ" ذكره القاضي أبو الحسن بنُ صَخْرٍ في الفوائد. انتهى.

{ وَنَبْلُوكُم } معناه: نَخْتَبِرُكُم، وقَدَّمَ { الشَّرّ } على لَفْظَةِ { ٱلْخَيْرِ }؛ لأَنَّ العَرَبَ من عادتها أَنْ تقَدِّمَ الأَقَلَّ والأَزْدَى؛ ومنه قوله تعالى: { { فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ } [فاطر:32]. فبدأ تعالى في تقسيم أُمَّةِ سَيِّدِنا محمد صلى الله عليه وسلم بالظالم. و { فِتْنَةً } معناه: امتحاناً.