التفاسير

< >
عرض

ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ
٣٠
حُنَفَآءَ للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ ٱلرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ
٣١
-الحج

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله: { ذَٰلِكَ } يحتمل أَنْ يكونَ في موضع رفع بتقدير: فرضكم ذلك، أو الواجب ذلك، ويحتمل أن يكون في محلِّ نصب بتقدير: امتثلوا ذلك ونحو هذا الإضمار، وأَحْسَنُ الأشياءِ مُضْمَراً أحسنُهَا مظهراً؛ ونحو هذه الإشارةِ البليغةِ قَوْلُ زُهَيْرِ: [البسيط]

هَـٰذَا، وَلَيْسَ كَمَنْ يَعْيَا بِخُطْبَتِهِوَسْطَ النَّدِيِّ إذَا مَا نَاطِقٌ نَطَقَا

والحُرُمَاتُ المقصودة هنا هي أفعال الحج.

وقال ابن العربي في «أحكامه»: الحرمات امتثال ما أَمَرَ اللّه تعالى به، واجتنابُ ما نهى عنه؛ فإنَّ للقسم الأَوَّلِ حرمةَ المبادرة إلى الامتثال، وللثاني حرمةَ الانكفاف والانزجار. انتهى.

وقوله: { فَهُوَ خَيْرٌ } ظاهر أنها ليست للتفضيل، وإنما هي عِدةٌ بخير، ويحتمل أن يجعل { خَيْرٌ } للتفضيل على تجوز في هذا الموضع.

* ص *: { فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ } أي: فالتعظيم خير له، انتهى.

وقوله تعالى: { فَـٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَـٰنِ } يحتمل معنيين.

أحدهما: أَنْ تكون «من» لبيان الجنس أي: الرجس الذي هو الأوثان؛ فيقع النهي عن رِجْسِ الأوثان فقط، وتبقى سائر الأرجاس نَهْيُهَا في غير هذا الموضع.

والمعنى الثاني: أَنْ تكون «من» لابتداء الغاية فكأنه نهاهم سبحانه عن الرجس عموماً، ثم عَيَّنَ لهم مبدأه الذي منه يلحقهم؛ إذ عبادة الوثن جامعةٌ لكل فساد ورجس، ويظهر أن الإشارة إلى الذبائح التي كانت للأوثان فيكون هذا مِمَّا يُتْلَى عليهم، والمَرْوِيُّ عن ابن عباس وابنُ جُريج: أَنَّ الآية نَهْيٌ عن عبادة الأوثان، و { ٱلزُّورِ } عامٌّ في الكَذِبِ والكفر؛ وذلك أَنَّ كُلَّ ما عدا الحق فهو كذب وباطل.

وقال ابن مسعود وغيرُه: إنَّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "عَدَلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ بِالشِّرْكِ، وَتَلاَ هَذِهِ الآيَةَ" والزُّورُ: مْشْتَقٌّ من الزَّوْرِ، وهو الميل، ومنه في جانب فلان زور، ويظهر أَنَّ الإشارة إلى زور أقوالهم في تحريمِ وتحليلِ ما كانوا قد شرعوا في الأنعام، و { حُنَفَاءَ } معناه مستقيمين أو مائلين إلى الحق، بحسب أن لفظة الحنف من الأضداد، تَقَعُ على الاستقامة، وتقع على المَيْلِ، والسحيق: البعيد.