وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبّحُ لَهُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ...} الآية: الرؤية هنا قلبية، والتسبيح: التنزيه والتعظيم، والآية عامَّةٌ عند المفسرين لكُلِّ شيء من العقلاء والجمادات.
وقوله تعالى: {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} قال الزَّجَّاجُ وغيره: المعنى: كُلٌّ قد علم اللّهُ صَلاَتَهُ وتسْبِيحَهُ.
وقال الحسن: المعنى: كُلٌّ قد علم صلاة نفسه وتسبيح نفسه.
وقالت فرقة: المعنى: كل قد علم صلاةَ اللّهِ وتسبيحَ اللّهِ اللَّذَيْنِ أمر بهما وهدى إليهما، فهذه إضافة خَلْقٍ إلى خالقٍ، وباقي الآية وعيد، و {يُزْجِي} معناه: يسوق، والرُّكام، الذي يركب بَعْضُه بعضاً ويتكاثف، والودق: المطر، قال البخارِيُّ: {مِن خِلَـٰلِهِ} أي: من بين أضعاف السحاب، انتهى.
وقوله تعالى: {وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ} قيل: ذلك حقيقةٌ، وقد جعل اللّه في السماء جبالاً من بَرَدٍ، وقالت فرقة: ذلك مجازٌ، وإنَّما أراد وصف كثرته، وهذا كما تقول: عند فلان جبال من مال وجبال من العلم.
قلت: وحَمْلُ اللفظ على حقيقته أولى إنْ لم يمنع من ذلك مانع، ومن كتاب «الفرج بعد الشدة» للقاضي أبي علي التنوخي، أحد الرواة عن أبي الحسن الدَّارَقُطْنِيِّ والمُخْتَصِّينَ به ـــ قال: أخبرنا أَبو بكر الصوليُّ عن بعض العلماء قال: رأيتُ امرأةً بالبادية، وقد جاء البَرَدُ فذهب بزرعِها، فجاء الناس: يُعَزُّونَها فرفعت رأسها إلى السماء، وقالت: اللهم أنتَ المَأْمُولُ لأَحْسَنِ الخَلَفِ وبيدك التعويضُ مِمَّا تَلِفَ، فافعل بنا ما أَنْتَ أهله، فإنَّ أرزاقنا عليك وآمالنا مصروفة إليك، قال: فلم أبرحْ حتى مَرَّ رجل من الأَجِلاَّءِ، فحُدِّث بما كان؛ فَوَهَبَ لها خَمْسِمائَةٍ دينارٍ، فأجاب اللّه دعوتها وَفَرَّجَ في الحين كربتها، انتهى. والـ {سنا} مقصوراً: الضوءُ، وبالمد: المَجْدُ، والباء في قوله {بِٱلأَبْصَارِ} يحتمل أنْ تكون زائدة.