التفاسير

< >
عرض

وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً
٧٣
وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً
٧٤
أُوْلَـٰئِكَ يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَماً
٧٥
خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً
٧٦
-الفرقان

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِـئَايَـٰتِ رَبِّهِمْ } يريدُ: ذكِّرُوا بالقرآن أمر آخرتهم ومعادهم.

وقوله: { لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً } يحتمل تأويلين: أحدهما: أنْ يكون المعنى: لم يكن خُرُورُهم بهذه الصفة؛ بل يكونوا سُجَّداً وُبكِيّاً، وهذا كما تقول: لم يخرج زيد إلى الحرب جزعاً، أي: إنما خرج جريئاً مِقْدَاماً، وكأنَّ الذي يَخِرُّ أَصَمَّ أعمى هو المنافق أو الشَّاكُّ، والتأويل الثاني: ذهب إليه الطبريُّ وهو أنَّ يخروا صماً وعمياناً هي صفة للكفار، وهي عبارة عن إعراضهم.

وقال الفَرَّاءُ: { لَمْ يَخِرُّواْ }، أي: لم يقيموا، وهو نحو تأويل الطبري، انتهى. وقال ابن العربيِّ في «أحكامه»: قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِـئَايَـٰتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً }.

قال علماؤنا: يعني الذين إذا قرأوا القرآن قرأوه بقلوبهم قراءةَ فهم وَتَثْبِيتٍ، ولم يَنْثِرُوه الدَّقَلِ، فإنَّ المرور عليه بغير فهم ولا تثبيت صَمَمٌ وعَمًى، انتهى. وقُرَّةُ العين: من القر وهذا هو الأشهر؛ لأَنَّ دمعَ السرور بارد، ودَمْعَ الحُزْنِ سُخْنٌ؛ فلهذا يقال: أَقَرَّ اللّه عينك، وأسخن اللّه عين العَدُوِّ، وقرة العين في الأزواج والذُّرِّيَّةِ أَنْ يراهم الإنسان مطيعين للَّه تعالى؛ قاله ابن عباس والحسن وغيرهما، وبَيَّن المقداد بن الأسود الوجه من ذلك بأنَّه كان في أوَّلِ الإسلام يهتدي الأبُ، والابن كافِرٌ، والزوجُ والزوجة كافرة، فكانت قرة أعينهم في إيمان أحبابهم.

{ وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً } أي: اجعلنا يَأْتَمُّ بنا المتقون، وذلك بأن يكون الداعي متقيا قدوة وهذا هو قصد الداعي، قال النخعي لم يطلبوا الرياسة، بل أنْ يكونوا قدوة في الدين، وهذا حَسَنٌ أَنْ يُطْلَبَ وَيُسْعَى له.

قال الثعلبي: قال ابن عباس: المعنى: واجعلنا أئمة هدى، انتهى، وهو حسن، لأَنَّهُم طلبوا أن يجعلهم أهلاٌ لذلك. والغرفة من منازل الجنة وهي الغرف فوق الغرف، وهي اسم جنس؛ كما قال: [من الهزج]

وَلَوْلاً الْحَبَّةُ السَّمْرَاءُ لَمْ نَحْلُلْ بِوَادٍ يَكُم

* ت *: وأخرج أبو القاسم، زاهر بن طاهر بن محمد بن الشحامي عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إنَّ فِي الجَنَّةِ لَغُرَفاً لَيْسَ لَهَا مَعَالِيقُ مِنْ فَوْقِهَا وَلاَ عِمَادٌ مِنْ تَحْتِهَا، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللّه، وَكَيْفَ يَدْخُلُهَا أَهْلُهَا؟ قال: يَدْخُلُونَهَا أَشْبَاهَ الطَّيْرِ، قيل: هِيَ يَا رَسُولَ اللّهِ لِمَنْ؟ قال: هِيَ لأَهْلِ الأَسْقَامِ وَالأَوْجَاعِ وَالْبَلْوَى" انتهى من «التذكرة». وقرأ حمزة وغيره: «يَلْقَوْنَ» بفتح الياء وسكون اللام وتخفيف القاف.