التفاسير

< >
عرض

أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوۤءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ ٱلأَرْضِ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ
٦٢
أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْرَاً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ تَعَالَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ
٦٣
أَمَّن يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وٱلأَرْضِ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
٦٤
قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وٱلأَرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ
٦٥
بَلِ ٱدَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ
٦٦
-النمل

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ... } الآية، وعن حبيب بن مسلمة الفهري؛ وكان مجابَ الدعوة، قال: سمعتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: «لاَ يَجْتَمِعُ مَلأٌ فَيَدْعُوَ بَعْضُهُمْ وَيُؤَمِّنُ بَعْضُهُمْ إلاَّ أَجَابَهُمْ اللّهُ تعالى»، رواه الحاكم في «المستدرك»، انتهى من «سلاح المؤمن»، وعن أبي هريرةَ ـــ رضي اللّه عنه ـــ قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "ادْعُوا اللّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإجَابَةِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ لاَ يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاَهٍ" رواه الترمذيُّ؛ وهذا لفظه. قال «صاحب السلاح»: ورواه الحاكمُ في «المستدرك» وقال: مستقيمُ الإسناد، انتهى. و { ٱلسُّوءُ } عامٌّ في كل ضرُّ يَكْشِفُه اللّهُ تعالى عن عبادِه، قال ابن عطاء اللّه: ما طُلِبَ لَك شيءٌ مثلَ الاضْطِرَارِ، ولا أسْرَع بالمواهِب لكَ مثلَ الذِّلةِ والافتقارِ، انتهى. و«الظلماتُ» عام؛ لظلمةِ الليل؛ ولظلمةِ الجهل والضلال، والرزقُ من السماءِ. هو بالمطر؛ ومن الأرض بالنبات؛ هذا هو مشهور ما يحُسُّه البشرُ، وكم للَّهِ بَعْدُ مِنْ لُطْفٍ خَفِي. ثم أمرَ تعالى نبيَّه ـــ عليه السلام ـــ أن يُوقِفَهُمْ عَلَى أَنَّ الغَيبَ مِما انفَرَدَ اللّه بعلمِه؛ ولذلكَ سُمِّي غَيْباً لغيبِه عن المخلوقين. رُوِيَ: أنَّ هذهِ الآيةَ مِن قوله: { قُل لاَّ يَعْلَمُ } إنما نَزَلَتْ لأَجْلِ سؤالِ الكفّارِ عن السَّاعَةِ الموعودِ بِهَا، فجاءَ بلفظ يَعُمَّ السَّاعَةَ وغيرَها، وأخبر عن البشر أنهم لا يشعرون إيان يبعثون.

* ص *: { أَيَّانَ } اسم استفهامٍ بمعنى: متى، وهي معمولةً لـ { يُبْعَثُونَ }، والجملة في موضع نصب بـ { يَشْعُرُونَ }، انتهى.

وقرأ جمهور القراء: { بَلِ ٱدَّٰرَكَ } أصله: تَدَارَكَ. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر «بل ٱدَّرَكَ» على وزن افتعل وهي بمعنى تَفَاعَلَ.

وقرأ ابن كثير وأبو عمر: «بَلْ أَدْرَكَ» وهذه القراءاتُ تحتملُ مَعْنَيَيْن: أحدهما: ادَّرَكَ علمُهم، أي: تَناهى، كما تقول ادَّركَ النباتُ، والمعنى: قد تَنَاهى علمهُم بالآخرة إلى أَن لا يعرفوا لها مقداراً، فيؤمنوا وإنما لهم ظنونٌ كاذبةٌ، أو إلى أن لا يعرفوا لها وقْتاً، والمعنى الثاني: بل ادَّرَكَ بمعنى: يُدْرِك أي أنهم في الآخرة يُدْرِكُ علمُهم وقتَ القيَامَةِ، ويرونَ العذابَ والحقائقَ التي كذَّبوا بها، وأمَّا في الدنيا؛ فلا، وهذا هو تأويل ابن عباس، ونحا إليه الزجاج، فقوله { فِي ٱلأَخِرَةِ } على هذا التأويل: ظَرْفٌ؛ وعلى التأويل الأول: { فِي } بمعنى الباء. ثم وَصَفَهُمْ عَزَّ وَجَلَّ بأنهم في شكٍ منها، ثم أردف بصِفَةِ هي أبلغُ من الشَّكِ وهي العَمَى بالجُمْلَةِ عن أمر الآخرة، و { عَمُونَ }: أصله: (عميون) فَعِلُونَ كَحَذِرُون.