التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَآؤُنَآ أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ
٦٧
لَقَدْ وُعِدْنَا هَـٰذَا نَحْنُ وَآبَآؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ
٦٨
قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ
٦٩
وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ
٧٠
وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
٧١
قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ ٱلَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ
٧٢
وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ
٧٣
وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ
٧٤
وَمَا مِنْ غَآئِبَةٍ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ
٧٥
إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
٧٦
وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤمِنِينَ
٧٧
إِن رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ
٧٨
فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّكَ عَلَى ٱلْحَقِّ ٱلْمُبِينِ
٧٩
إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ وَلاَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ
٨٠
وَمَآ أَنتَ بِهَادِي ٱلْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ
٨١
وَإِذَا وَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِم أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِّنَ ٱلأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ
٨٢
-النمل

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَءِذَا كُنَّا تُرَٰباً وَءَابَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ * لَقَدْ وُعِدْنَا هَـٰذَا نَحْنُ وَءَابَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ أَسَـٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ }، هذه الآية معنَاها واضحٌ مما تَقَدَّمَ في غيرها. ثم ذكر - تعالى - استعجالَ كفارِ قريشٍ أمْرَ السَّاعَةِ والعذابَ بقولِهم: { مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ } على معنى التَّعْجِيزِ، و { رَدِفَ } مَعْنَاه: قَرُبَ وأزِفَ؛ قاله ابن عباس وغيرُه، ولكنَّها عبارةٌ عَما يجيءُ بعدَ الشيء قريباً منه، والهاءُ في { غَائِبَة } للمبَالَغَةِ، أي مَا مِنْ شَيْءٍ في غايةِ الغَيْبِ والخفاءِ إلاَّ فِي كِتَابٍ عِندَ اللّهِ وفي مكنونِ علمِه، لا إلٰه إلا هو. ثم نبَّه ـــ تعالى ـــ على أنَّ هذا القرآن يَقُصُّ على بني إسرائيل أكثر الأشياءِ التي كان بينهُم اختلافٌ في صِفَتِها، جاء بها القرآن على وجهها، { وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤمِنِينَ } كما أنه عمَىً على الكافرين المحتومِ عليهم، ثم سلَّى نبيَّه بقوله: { إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ } فشبَّهَهُمْ مرةً بالموتى، ومرةً بالصُّمِّ من حيث إنَّ فائدةَ القولِ لهؤلاءِ مَعْدُومَةٌ.

وقرأ حمزة: «وَمَا أَنتَ تَهْدِي ٱلْعُمْيِ» بفعلٍ مستقبل، ومعنى قوله تعالى { وَإِذَا وَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِم }، أي: إذا انْتَجَزَ وعدُ عذابِهمُ الذي تَضَمَّنَه القولُ الأزلي من اللّه في ذلك، وهذا بمنزلة قوله تعالى: { { حَقَّتْ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ } [الزمر:71].

فمعنى الآية وإذا أراد اللّهُ أن يُنْفذَ في الكافرينَ سَابقَ عِلمِهِ لَهُم من العذابِ أخْرَجَ لهم دابَّةً من الأرض، ورُوِيَ أَن ذلك حين ينقطعُ الخيرُ، ولا يؤمَر بمعروف، ولا يُنْهى عن منكر، ولا يِبْقَى مَنيبٌ ولا تائبٌ، و { وَقَعَ } عبارةٌ عن الثبوت واللُّزُوم، وفي الحديث أن الدابةَ وطلوعَ الشمسِ من المغْرِب مِنْ أولِ الأشراط، وهذه الدَّابَّةُ رُوِيَ أنَّها تَخْرُجُ من الصَّفَا بمكَّةَ؛ قاله ابن عمر وغيره، وقيل غيرُ هذا.

وقرأ الجمهور: { تُكَلِّمُهُمْ } من الكلام. وقرأ ابن عباس وغيرُه، { تُكَلّمُهُمْ } ـــ بفَتْحِ التاءِ وتخفيفِ اللام ـــ، من الكَلْمِ وهو الجُرْحُ، وسئل ابن عباس عن هذه الآية «تكلمهم أو تكلمهم»؟ فقال: كل ذلك، واللّهِ تفعلُ: تُكَلِّمُهُمْ وَتَكْلُمُهُمْ، وروي أنها تَمُرُّ على الناسِ فَتَسِمُ الكافرَ فِي جبهتِه وتَزْبُرُهُ وتَشْتُمُه وربما خَطَمَتْه، وَتَمْسَحُ على وجهِ المؤمنِ فتبيضه، ويعرفُ بعدَ ذلكَ الإيمانُ والكفرُ مِن أثرها، وفي الحديث: "تَخْرُجُ الدَّابَّةُ وَمَعَهَا خَاتَمُ سُلَيْمَانَ وَعَصَا مُوسَى، فَتَجْلُو وُجُوهَ المؤمِنِينَ بالعَصَا؛ وتَخْتِمُ أَنْفَ الكَافِرِ بِالخَاتِمِ، حَتَّى أنَّ النَّاسَ لَيَجْتَمِعُونَ، فَيَقُولُ هَذَا: يَا مُؤْمِنُ، وَيَقُولُ هَذا: يَا كَافِرُ" . رواه البَزَّار، انتهى من «الكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ».

وقرأ الجمهور: «إنَّ النَّاسَ» ـــ بكسر «إن».

وقرأ حمزةُ والكسائيّ وعاصمٌ: «أنَّ» ـــ بفتحها.

وفي قراءة عبد اللّه: «تُكَلِّمُهُمْ بَأَنَّ»، وعلى هذه القراءة؛ فيكونُ قوله: «أَنَّ النَّاسَ» إلى آخرها مِنْ كلامِ الدابَّةِ، وروي ذلك عن ابن عَبَّاس. ويحتملُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلاَمِ اللّهِ تعالَىٰ.