التفاسير

< >
عرض

وَمَا هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ لَهِيَ ٱلْحَيَوَانُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ
٦٤
فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ
٦٥
لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ يَعلَمُونَ
٦٦
أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِٱلْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَكْفُرُونَ
٦٧
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِٱلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ
٦٨
وَٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِينَ
٦٩
-العنكبوت

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { وَمَا هَـٰذِهِ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ } وصفَ اللّهُ تعالى الدنيا في هذه الآيةِ بأنها لهوٌ ولعب، أي: ما كان منها لغير وجه اللّه تعالى؛ وأما مَا كان للَّه تعالى فهو من الآخرة، وأما أمورُ الدنيا التي هي زائدة على الضروري الذي به قِوَامُ العَيْشِ، والقوةُ على الطاعات؛ فإنما هي لهو ولعب، وتأملْ ذلك في الملابِس، والمطاعِم، والأقوال، والمكتسبات، وغير ذلك، وانظر أن حالةَ الغني والفقير من الأمور الضرورية واحدة: كالتنفسِ في الهواء، وسد الجوع، وستر العورة، وتَوَقِّي الحر والبرد؛ هذه عظم أمر العيش، و { ٱلْحَيَوَانُ } و { ٱلْحَيَاةُ } بمعنًى، والمعَنى: لا موت فيها، قاله مجاهد وهو حسن، ويقال: أصله: حييان؛ فأبدلت إحداهما واواً لاجتماع المِثْلَين. ثم وقَفَهُمْ تعالى على حالهم في البحر؛ عند الخوف العظيم؛ ونسيانهم عند ذلك للأصنام، وغيرها، على ما تقدم بيانُه في غير هذا الموضع: و { لِيَكْفُرُواْ } نصبٌ بـــ «لام كي» ثم عدَّد تعالى على كَفَرَةِ قريش نعمتَه عليهم؛ في الحَرَمِ و«المثوى»: موضع الإقامة، وألفاظ هذه الآية في غايةِ الاقْتِضَابِ والإيجاز؛ وجمع المعاني. ثم ذكر تعالى حالَ أوليائه والمجاهدين فيه.

وقوله: { فِينَا } معناه: في مرضاتنا وبغيةِ ثوابِنا.

قال السدي وغيره: نزلت هذه الآيةُ قبل فَرضِ القتال.

قال * ع *: فهي قَبْلَ الجهادِ العَرْفي وإنما هو جِهَاد عامُّ في دين اللّه وطلب مرضاته.

قال الحسن بن أبي الحسن: الآيةُ في العُبَّادِ. وقال إبراهيم بن أدهم: هي في الذين يعملون بما علموا. وقال أبو سليمان الدَّارانيُّ: ليس الجهادُ في هذه الآية قتالَ العدو فقط؛ بل هو نَصْرُ الدِّين والردُّ على المبطلينَ وقمعُ الظالمينَ؛ وأعظمُه الأمر بالمعروفِ، والنهيُ عن المنكرِ، ومنه، مجاهدةُ النفوسِ في طاعةِ اللّه عز وجل وهو الجهاد الأكبر؛ قاله الحسن وغيره، وفيه حديثٌ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم "رَجَعْتُمْ مِنَ الْجِهَادِ الأَصْغَرِ إلَى الْجِهَادِ الأَكْبَرِ" و«السُّبل» هنا يحتملُ أن تكونَ طُرَقَ الجنةِ ومَسَالِكَهَا، ويحتملُ أن تكونَ سبلَ الأعمال المؤَدِّيَةِ إلى الجنةِ، قال يوسف بن أسباط: هي إصلاح النيّة في الأعمال، وحب التَزَيُّدِ والتَفَهُّمِ، وهو أن يُجَازَى العبدُ عَلى حَسَنَةٍ بازدياد حسنةٍ وبعلمٍ يَنْقَدِحُ مِن عِلْمٍ متقدمٍ.

قال * ص *: { وَٱلَّذِينَ جَـٰهَدُواْ }: مبتدأ خبرُه القسمُ المحذوفُ، وجوابُه وهو: { لَنَهْدِيَنَّهُمْ }، انتهى.

وقال الثعلبي: قال سهل بن عبد اللّه: { وَٱلَّذِينَ جَـٰهَدُواْ } في إقامة السنة { لَنَهْدِيَنَّهُمْ } سبل الجنة؛ انتهى. واللام في قوله { لَمَعَ } لام تأكيد.