التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاَئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَـٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصْطَفَـٰكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلْعَـٰلَمِينَ
٤٢
يٰمَرْيَمُ ٱقْنُتِي لِرَبِّكِ وَٱسْجُدِي وَٱرْكَعِي مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ
٤٣
-آل عمران

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { وَإِذْ قَالَتِ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ }: العامل في «إِذْ»: «ٱذْكُرْ»؛ لأن هذه الآياتِ كلَّها إِنما هي إِخبارات بغَيْبٍ تدلُّ على نبوَّة نبيِّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم، مَقْصِدُ ذِكْرها هو الأظهر في حِفْظِ رَوْنَقِ الكلام.

و { ٱصْطَفَـٰكِ }: معناه: تَخَيَّرَكِ لطاعته، و { طَهَّرَكِ }: معناه: من كُلِّ ما يَصِمُ النساء في خَلْقٍ، أو خُلُقٍ، أو دِينٍ؛ قاله مجاهد وغيره، وقولُ الزَّجَّاجِ: قد جاء في التفْسير؛ أنَّ معناه: طَهَّرك من الحَيْض والنفاسِ ـ يحتاج إِلى سند قويٍّ، وما أحفظُه، و { ٱلْعَـٰلَمِينَ } يحتملُ عَالَمَ زَمانها.

قال * ع *: وسائغ أنْ يتأوَّل عموم الاِصطفاء على العَالَمِينَ، وقد قال بعضُ الناس: إِن مريم نَبِيَّةٌ من أَجْلِ مخاطَبَةِ الملائكةِ لها، وجمهورُ النَّاسِ علَىٰ أنها لم تُنَبَّإِ ٱمرأةٌ، و { ٱقْنُتِي } معناه: ٱعبُدِي، وأَطِيعِي؛ قاله الحَسَن وغيره، ويحتمل أنْ يكون معناه: أطِيلِي القيامَ في الصَّلاة، وهذا هو قولُ الجمهورِ، وهو المناسبُ في المعنَىٰ لقوله: { وَٱسْجُدِي }، وروى مجاهدٌ؛ أنها لما خوطِبَتْ بهذا، قامَتْ حتى وَرِمَتْ قَدَماها، وروى الأوزاعيُّ: حَتَّىٰ سَالَ الدَّمُ والقَيْحُ من قَدَمَيْهَا، وروي أنَّ الطَّيْرَ كَانَتْ، تنزلُ علَىٰ رَأْسِهَا تظُنُّها جَمَاداً.

واختلف المتأوِّلون، لِمَ قُدِّمَ السُّجودُ على الركوع.

فقال قوم: كان ذلك في شرِعِهِمْ، والقول عنْدي في ذلك: أنَّ مريم أُمِرَتْ بفَصْلَيْنِ ومَعْلَمَيْنِ مِن مَعَالِمِ الصلاة، وهما طُولُ القيامِ، والسُّجُودُ، وخُصَّا بالذكْرِ لشرفهما، وهذانِ يَخْتَصَّان بصلاتها مفْرَدةً وإِلاَّ فمن يصلِّي وراء إِمامٍ، فليس يقال له: أَطِلْ قِيَامَكَ، ثم أمرتْ بعدُ بالصَّلاة في الجماعةِ، فقيل لها: { وَٱرْكَعِي مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ }، وقُصِدَ هنا مَعْلَمٌ آخر من مَعَالِمِ الصلاةِ لئلاَّ يتكرَّر اللفظ، ولم يرد في الآية الركوع والسجود الذي هو منتظمٌ في ركْعَةٍ واحدةٍ، واللَّه أعلم.

وقال * ص *: قوله: { وَٱرْكَعِي }، الواو: لا ترتّب، فلا يسأل، لِمَ قُدِّم السجود، إِلا من جهة علْمِ البيانِ، وجوابه أنه قدّم؛ لأنه أقربُ ما يكونُ العَبْدُ فيه مِنْ ربِّه، فكان أشْرَفَ، وقيل: كان مقدَّماً في شرعهم. اهـ.