وقوله تعالى: { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ } قال كثير من اللغويين: ضَمُّ الضادِ في البدن، وفتحها في العقل، وهذه الآية إنما يراد بها حال الجِسم، والضُّعْفُ الأول هو: كونُ الإنسان من ماءٍ مهينٍ، والقوة بعد ذلك: الشَّبِيْبَةُ وشدة الأسْر والضُّعْف الثَّانِي هوَ الهَرَمُ والشَيْخُوخَةُ، هذا قولُ قتادةَ وغيره ورَوَى أبُو داودَ فِي سننه بسَنَدٍ صَحِيحٍ، عَن عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عن أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قال: قَالَ رَسُولُ اللّهِ ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ:
"لاَ تَنْتِفُوا الشَّيْبَ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَشِيبُ شَيْبَةً فِي الإسْلاَمِ إلاَّ كَانَتْ لَهُ نُوراً يَوْمَ الْقِيَامَةِ" . وفي رواية "إلاَّ كَتَبَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ بِهَا حَسَنَةً وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً" انتهى. ثم أخْبَرَ عز وجل عن يوم القيامة فقال: { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ } أي: تحت التراب { غَيْرَ سَاعَةٍ } وقيل: المعنى: ما لبثوا في الدنيا كأنهم استقلوها. { كَذَلِكَ كَانُواْ } في الدنيا { يُؤْفَكُونَ } أي: يُصْرَفُونَ عن الحق.
قال * ص *: { مَا لَبِثُوا }: جوابُ القسمِ على المعنى، ولو حُكِي قولهم لَكَانَ ما لبِثْنَا؛ انتهى. ثم أخْبَر تعالى أن الكفَرَة لاَ يَنْفَعْهُمْ يومئذ اعتذارٌ ولا يُعْطَوْنَ عُتْبَىٰ، وهي الرِّضا وباقي الآية بيِّن، وللَّه الحمدُ.