التفاسير

< >
عرض

يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً
١
وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَـيْكَ مِن رَبِّكَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً
٢
وَتَوَكَّلْ عَلَىٰ ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً
٣
مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ ٱللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي ٱلسَّبِيلَ
٤
ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوۤاْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً
٥
-الأحزاب

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

قوله تعالى: { يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ... } الآية. قوله: { ٱتَّقِ } معناه: دُمْ على التَّقْوَى، ومتى أُمر أحدُ بشيء وهو به مُتَلَبِّسٌ؛ فإنما معناه الدوامُ في المستقبلِ على مثل الحالةَ الماضِيةَ. وحذره تعالى من طاعة الكافرين والمنافقين تنبيهاً على عداوتِهم، وأَلاَّ يَطْمَئِنَّ إلى ما يُبْدُونَه من نَصَائِحِهم. والباء في قوله: { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ } زائدةٌ على مذهب سِيبَوَيْهِ، وكأنه قال وكفى اللّه، وغيرُهُ يَرَاهَا غَيْرَ زائدةٍ متعلقَة بـ «كفى» على أنه بمعنى: اكتف باللّه. واختلف في السبب في قوله تعالى: { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ } فقال ابن عباس: سببُهَا أن بعضَ المنافقينَ قَال: إن محمداً له قلبَانِ، وقيل غير هذا.

قال * ع *: ويظهَرُ مِنْ الآية بِجُمْلَتِهَا أنَّها نَفيٌ لأشْيَاءَ كانت العربُ تعتقِدُها في ذلك الوقتِ، وإعلام بحقيقةِ الأمرِ، فمنها أن العربَ كانتْ تَقُول: إن الإنسانَ له قلبٌ يأمره، وقلب ينهاه، وكان تضادُّ الخواطِر يحملُها على ذلك، وكذلك كانت العربُ تعتقد الزوجة إذا ظاهر منها بمنزلة الأم، وتراه طلاقاً، وكانت تعتقد الدَّعِيَّ المُتَبَنَّى ابْناً، فَنَفَى اللّه ما اعتقدوه من ذلك.

وقوله سبحانه: { وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ } سببُها أمرُ زيد بن حارثة كانوا يَدْعُونَه: زيدَ بن مَحَمدٍ و { ٱلسَّبِيلَ } هنا سبيلُ الشرع والإيمان. ثم أمر تعالى في هذه الآية بدعاء الأدعياء لآبائهم، أي: إلى آبائهم للصُّلْبِ، فمن جُهل ذلك فيه؛ كان مولىً وأَخاً في الدين، فقال الناسُ زيد بن حارثة وسالم مولى أبي حذيفة، إلى غير ذلك و{ أَقْسَطُ }: معناه: أعدل.

وقوله عزَّ وجل: { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ... } الآية: رَفَعَ الحرجَ عَمَّنْ وَهِمَ وَنَسِيَ وأخْطَأَ، فَجَرَى على العَادَةِ من نسبة زيدٍ إلى محمدٍ، وغير ذلك. مما يشبهه، وأبقى الجناح في المُتَعَمِّدِ، والخطأُ مرفوعٌ عَنْ هذهِ الأمة عقابُه؛ قال صلى الله عليه وسلم: "وُضِعَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأُ والنِّسْيَانُ وَمَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ" . وقال ـــ عليه السلام ـــ: "مَا أَخْشَىٰ عَلَيْكُمُ الخَطَأَ وَإنَّمَا أَخْشَى العَمْدُ" .

قال السُّهَيْلِيُّ: ولَمَّا نزلت الآيةُ وامتثَلَهَا زيدُ فقال: أنا زيد بن حارثة؛ جَبَرَ اللّه وَحْشَتَهُ وشَرَّفَه بأن سَمَّاه باسْمِه في القرآن فقال: { { فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً } [الأحزاب:37] ومَنْ ذَكَرَهُ سبحَانه باسْمِه في الذِّكْرِ الحكيم، حتى صَار اسمُه قرآناً يُتْلَىٰ في المحاريبِ، فقد نَوَّه بهِ غَايَةَ التَّنْوِيهِ، فَكَانَ فِي هذا تأنيسٌ له وَعِوَضٌ مِن الفَخْرِ بَأُبُوَّةِ سيِّدنا محمَّد صلى الله عليه وسلم له؛ أَلاَ تَرَىٰ إلى قول أُبي بن كعب حين قال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللّهَ تَعَالَىٰ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ سُورَةَ كَذَا، فَبَكَىٰ أُبَيٌّ وَقَالَ: أَوَ ذُكِرْتُ هُنَالِكَ" ، وكان بكاؤه من الفرح حِينَ أخْبِرَ أن اللّه تعالَىٰ ذَكَرَهُ؛ فكَيْفَ بمَنْ صَار اسمُه قرآناً يُتْلَىٰ مخَلَّداً لا يَبِيدُ، يتلُوهُ أهْلُ الدُّنْيَا إذا قرؤوا القرآن، وأهْل الجَنَّةِ كذلِكَ فِي الجِنَانِ، ثم زَادَهُ فِي الآية غَايةَ الإحْسَانِ أنْ قال: { { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ } [الأحزاب:37] يعني بالإيمان؛ فدلَّ على أنه عند اللّه من أهل الجِنَانِ، وهذه فضيلةٌ أخرَىٰ هي غايةُ منتهَىٰ أمنية الأنْسَان، انتهى.