التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً
٥٦
إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً
٥٧
وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحْتَمَلُواْ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً
٥٨
يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً
٥٩
-الأحزاب

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ... } الآية، تضمَّنَتْ شَرَفَ النّبي صلى الله عليه وسلم وعظيمَ منزلتِه عندَ اللّهِ تَعالى.

قالتْ فِرقَة: تقدير الآيةِ: أن اللّه يُصَلِّي وملائكتُه يصلُّون, فالضَّميرُ في قوله { يُصَلُّونَ }: للملائِكةِ فَقط. وقالت فرقة: بل الضميرُ في { يُصَلُّونَ } لِلَّهِ والملائكة؛ وهذا قول من اللّه تعالى، شَرَّفَ به ملائكتَه؛ فَلاَ يُرِدُ عليه الاعتراضُ الذي جَاءَ في قَوْلِ الخَطِيبِ: مَنْ يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ، فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِيهِمَا، فَقَدْ ضَلَّ، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "بِئْسَ الخَطِيبُ أَنْتَ" . وهذا القَدْرُ كَافٍ هُنَا، وصلاة اللّه تعالى: رحمةٌ منه وبركةٌ، وصلاة الملاَئكةِ: دعاء، وصلاةُ المؤمنين: دعاء، وتعظيم، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل حينٍ؛ من الواجباتِ وجوبَ السُّنَنِ المؤكَّدَةِ التي لا يسعُ تَرْكُها؛ وَلاَ يُغْفِلُها إلاَّ مَن لاَ خيرَ فيه، وفي حديث ابن عباس: أنه لما نزلت هذه الآية؛ قال قوم من الصحابة: «هَذَا السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللّهِ؛ قَدْ عرفْنَاهُ، فكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟» الحديث.

* ت *: ولفظ البخاري: "عن كعب بن عُجْرَةَ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللّهِ؛ أَمَّا السَّلاَمُ عَلَيْكَ، فَقَدْ عَرَفْنَاهُ، فَكَيْفَ الصَّلاَةُ؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَعَلَىٰ آلِ مُحَمَّدٍ؛ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ؛ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَعَلَىٰ آلِ مُحَمَّدٍ؛ كَمَا بَارَكْتَ عَلَىٰ إبْرَاهِيمَ؛ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ" . انتهى؛ وفيه طرقٌ يَزِيدُ فيها بعضُ الرواةِ على بَعْضِ، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: "إنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الجمُعَةِ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلاَةِ فيه؛ فَإنَّ صَلاَتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ" الحديثُ رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه، واللفظ لأبي داود، ورواه الحاكم في «المستدرك» من حديث أبي مسعود الأنصاري، وقال: صحيح الإسناد، وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم "مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إلاَّ رَدَّ اللّهُ عَلَيَّ رُوحِي؛ حَتَّىٰ أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ" وعنْه قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "صَلُّوا عَلَيَّ، فَإنَّ صَلاَتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُم" . رواهما أبو داود، وعن ابن مسعود رضي اللّه عنه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاَةً" . رواه الترمذي، وابن حِبَّانَ. في «صحيحيه»، ولفظهما سواء، وقال الترمذي حسن غريب. انتهى من «السلاح».

وقولُه سبحانه: { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـٰبِيبِهِنَّ } الجلبابُ: ثوبٌ أَكْبَرُ مِنْ الخِمَار، ورُوِي عَن ابن عباس وابن مسعود: أَنَّهُ الخمارُ، واخْتُلِفَ في صورة إدنائه: فقالَ ابنُ عباسٍ وغيره: ذلك أن تَلْوِيَه المرأةُ حَتَّى لا يظهرَ منهَا إلاَّ عينٌ واحِدَةٌ تبصر بها، وقال ابن عباس أيضاً وقتادةُ: ذلك أن تلويه الجبينِ وتشدُّهُ، ثم تَعْطِفَهُ على الأنفِ، وإن ظهرتُ عَيْنَاها؛ لكنَّه يستر الصدر ومعظمَ الوجهِ.

وقوله: { ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ }: حتى لا يختلطّن بالإمَاءِ، فَإذَا عُرِفْنَ لم يقابَلْن بأذَى. من المعارضة؛ مراقبةً لرتبةِ الحرائر، وليس المعنى أن تُعْرَفَ المرأةُ حَتَّىٰ يعلمَ من هي؛ وكان عمر إذا رأى أمَةً قد تقنعت قَنَّعَها بالدِّرَّةِ محافظةً على زِيِّ الحرائر.