التفاسير

< >
عرض

وَمَآ آتَيْنَاهُمْ مِّنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَآ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِّن نَّذِيرٍ
٤٤
وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ مَآ ءَاتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُواْ رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ
٤٥
قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ
٤٦
-سبأ

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقولهُ تَعَالَى: { وَمَآ ءَاتَيْنَـٰهُم مِّنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا... } الآية المعنى: أنَّ هَؤلاَءِ الكَفَرَةِ يَقُولُونَ بِآرَائِهِمْ فِي كِتَابِ اللّهِ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: سِحْرٌ، وَبَعْضُهُمْ: افْتِرَاءٌ، وَذَلِكَ مِنْهُمْ تَسَوُّرٌ لاَ يَسْتَنِدُونَ فِيهِ إلَى أَثَارَةِ عِلْمٍ؛ فَإنَّا مَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونُها؛ وَمَا أرْسَلْنَا إلَيهم قَبْلَكَ مِن نديرٍ يُبَاشِرُهُمْ ويُشَافِهُهُمْ فَيُمْكِنَهُمْ أَنْ يُسْنِدُوا دَعْوَاهُمْ إلَيْهِ.

وقَوْلهُ تَعَالَى: { وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ مَا ءَاتَيْنَـٰهُمْ } الضَّمِيرُ في: { بَلَغُواْ } يَعُودُ عَلى قُرَيْشٍ، وفِي آتَيْنَاهُمْ عَلَى الأُمَمِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، وَالمَعْنَى: مِن القُوَّةِ والنِّعَمِ والظُّهُورِ في الدُّنْيَا؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وابْنُ زَيْدٍ: والمِعْشَارُ: العُشْرُ وَلَمْ يأتِ هَذا البِنَاءُ إلاَّ فِي العَشَرَةِ والأَرْبَعَةِ، فَقَالُوا: مِرْبَاعٌ وَمِعْشَارٌ؛ و«النَّكِيرُ» مَصْدَرٌ كَالإنْكَارِ فِي المَعْنَى، وكَالعَزيز فِي الوَزْنِ، وَ{ كَيْفَ }: تَعْظِيمٌ لِلأَمْرِ وَلَيْسَتْ اسْتِفْهَاماً مُجَرَّداً؛ وَفِي هَذا تَهْدِيدٌ لِقُرَيْشٍ، أي: أنهم مُتَعَرِّضُونَ لِنَكِيرٍ مِثْلِهِ، ثُمَّ أمرَ ـــ تَعَالَى ـــ نَبِيُّهُ عليه السلام أنْ يَدْعُوهُمْ إلَى عِبَادَةِ اللّهِ ـــ تَعَالَى ـــ وَالنَّظَرِ فِي حَقِيقَةِ نُبُوَّتِهِ هُوَ، وَيَعِظُهُمْ بَأَمْرٍ مُقَرَّبٍ لِلأَفْهَامِ، فَقَوْلهُ: { بِوَٰحِدَةٍ } معناه: بِقَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ إيجَازاً لَكُمْ وَتَقْرِيباً عَلَيْكُمْ وَهُوَ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ، أي: لأَجلِ اللّهِ أو لِوَجْهِ اللّهِ مَثْنَى أي: اثنين اثنين مُتَنَاظِرَيْنِ وفُرَادَى، أي: وَاحِداً وَاحِداً، ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا، هَلْ بِصَاحِبِكُمْ، جِنَّةُ أو هُوَ بَرِيءٌ، مِنْ ذَلِكٍ، والوَقْفُ عِنْدَ أَبِي حَاتِمٍ { تَتَفَكَّرُواْ } فَيَجِيء: { مَا بِصَاحِبِكُم } نَفْياً مُسْتَأْنِفاً، وَهُوَ عِنْدَ سِيبَوَيهِ جَوَابُ مَا تَنَزَّلُ مَنْزِلَة القَسَمِ؛ وَقيلَ فِي الآيةِ غَيْرُ هَذَا مِمَّا هُو بَعِيدٌ مِنَ أَلْفَاظِهَا فَتَعَيَّنَ تَرْكُهُ.