الجواهر الحسان في تفسير القرآن
وقوله تعالى: { وَأَرْسَلْنَـٰهُ إِلَىٰ مِاْئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } قال الجمهور: إنَّ هذه الرسالةَ هي رِسالتهُ الأولى ذكرَها اللَّهُ في آخر القَصَصِ، وقال قَتَادَةُ وغيره: هذه رسالةٌ أُخْرَى بَعْدَ أنْ نُبِذَ بالعراء، وهي إلى أهل «نِيْنَوَىٰ» من ناحِية المَوْصِلِ، وقرأ الجمهور: «أو يزيدون» فقال ابن عباس: «أو» بمعنى «بل» ورُوِي عَنْه أنه قرأ: «بل يزيدون» وقالت فرقة: «أو» هنا بمعنى الواو، وقرأ جعفر بن محمد: «ويزيدون» وقال المُبَرِّدُ، وكثيرٌ مِنَ البَصْرِيِّين: قوله: { أَوْ يَزِيدُونَ } المعنى: على نَظَرِ البَشَرِ وحَزْرِهم، أي: من رآهم قال: مائة ألف أو يزيدون، ورَوَىٰ أُبَيُّ بنِ كَعْبٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُمْ كانوا مائةً وعشرينَ ألفاً. * ت *: وعبارة أحمد بن نَصْرٍ الدَّاوودِيُّ: وعن أبي بن كَعْب قال: سألتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عن الزيادتين: { ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } [يونس:26] { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } قال يزيدون عشرين ألفاً، وأحسبه قال: الحسنى: الجنة، «والزيادة» النظرُ إلى وجهِ اللَّه ـــ عز وجل ـــ، انتهى، وفي قوله: { فَـئَامَنُواْ فَمَتَّعْنَـٰهُمْ إِلَىٰ حِينٍ } مثالٌ لقريشٍ إنْ آمنوا، ومنْ هنا حَسُنَ انتقالُ القَوْلِ والمحاوَرَةِ إلَيْهِم بقوله: { فَٱسْتَفْتِهِمْ }؛ فإنما يعود على ضميرِهم، على ما في المعنى من ذِكْرِهِمْ، والاستفتاءُ: السؤال؛ وهو هنا بمعنى التَّقريعِ والتَّوْبيخِ في جعلهمُ البَنَاتِ للَّه، تعالى اللَّهُ عَنْ قولِهمْ، ثم أخبر [اللَّهُ] تعالى عن فرقةٍ منهم بلغَ بِها الإفْكُ والكَذِبُ إلى أَنْ قالتْ: ولدَ اللَّهُ الملائكةَ؛ لأَنَّه نَكَحَ في سَرَوَاتِ الجِنِّ، تعالَى اللَّهُ عن قولهِم، وهذه فرقةٌ، مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ فيما رُوِيَ، وقرأ الجمهور: «أَصْطَفَى البَنَاتِ» بهمزةِ الاسْتفهامِ عَلَى جهةِ التَّقْرِيعِ والتوبيخِ.