التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا رَأَوْاْ آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ
١٤
وَقَالُوۤاْ إِن هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ
١٥
أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ
١٦
أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ
١٧
قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ
١٨
فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ
١٩
وَقَالُواْ يٰوَيْلَنَا هَـٰذَا يَوْمُ ٱلدِّينِ
٢٠
هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ
٢١
ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ
٢٢
مِن دُونِ ٱللَّهِ فَٱهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْجَحِيمِ
٢٣
وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ
٢٤
مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ
٢٥
بَلْ هُمُ ٱلْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ
٢٦
-الصافات

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله: { وَإِذَا رَأَوْاْ ءايَةً يَسْتَسْخِرُونَ } يريدُ بالآية: العلامةَ والدلالة، ورُوِيَ أنَّها نزلتْ في رُكَانة وَهُوَ رَجُلٌ من المشركينَ مِن أهلِ مكةَ؛ لقيَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في جَبَلٍ خَالٍ وهُوَ يَرْعَىٰ غَنَماً له؛ وكانَ أقْوَىٰ أهْلِ زَمانِه، فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "يَا رُكَانَةُ؛ أَرَأَيْتَ إنْ صَرَعْتُكَ؛ أَتُؤْمِنُ بِي؟ قَالَ: نَعَمْ، فَصَرَعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثاً" ، ثُمَّ عَرَضَ عَلَيْهِ آيَاتٍ مِنْ دُعَاءِ شَجَرَةٍ وإقْبَالَهَا، ونَحْوَ ذَلك مما اخْتَلَفَتْ فيه ألفاظُ الحديثِ، فَلَمَّا فَرَغَ ذلكَ لَم يُؤْمِنْ، وجاءَ إلى مَكَّةَ، فَقَالَ: يَا بني هَاشِمٍ، سَاخِرُوا بِصَاحِبِكُمْ أَهْلَ الأرضِ، فنزلَتْ هذه الآية فيه وفي نُظَرَائِه، و{ يَسْتَسْخِرُونَ } قال مجاهد وقتادة: معناه: يَسْخَرُونَ، ثم أمر تعالى نبيَّه أن يُجِيبَ تَقْرِيرَهُمْ وٱسْتِفْهامَهُمْ عَنِ البَعْثِ بـ { نِعْمَ }، وأن يزيدَهُمْ في الجواب، أنَّهُمْ معَ البعث في صَغَارٍ وذلَّةٍ واستكانةٍ، والدَّاخِرُ: الصَّاغِرُ الذليلُ، وقَدْ تَقَدَّمَ بيانهُ غيرَ ما مَرَّةٍ، والزَّجْرَةُ الواحدةُ: هِيَ نَفْخَةُ البَعْثِ، قال العِرَاقِيُّ: الزَّجْرَةُ: الصَّيْحَةُ بِٱنْتِهَارٍ، انتهى. و{ ٱلدِّينِ }: الجزاءُ، وأجمَع المفسِّرُونَ على أن قولَه تعالى: { هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ ٱلَّذِى كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ } لَيْسَ هو من قولِ الكَفَرَةِ وإنما المعنى: يُقَالُ لهُم.

وقوله: { وَأَزْوٰجُهُمْ } معناه: أنوَاعُهُم وضُرَباؤهم؛ قاله عُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وقتادة، ومعهم { وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ * مِن دُونِ ٱللَّهِ } مِنْ آدَمِيٍّ رَضِيَ بذلكَ، ومن صَنَمٍ وَوَثَنٍ؛ توبيخاً لهم وإظهاراً لِسُوءِ حالهم، وقال الحسنُ: { أَزْوٰجَهُِمْ } نساؤهم المشركاتُ: وقاله ابن عباس أيضاً.

وقوله تعالى: { فَٱهْدُوهُمْ } معناه: قَدِّمُوهم واحملوهم على طريق الجحيم، ثم يأمر اللَّهُ تعالى بوقوفهم ـــ على جِهَةِ التَّوْبِيخِ لهم ـــ والسؤال، قال جمهور المفسرين: يُسْأَلُونَ عن أعمالهم ويُوقَفُونَ على قُبْحِها، وقد تقدَّم قولهُ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ..." الحديثَ، قال * ع *: ويَحْتَمِلُ عندي أنْ يكونَ المعنَىٰ علىٰ نحوِ ما فسَّره تعالَىٰ بقولهِ: { مَالَكُمْ لاَ تَنَـٰصَرُونَ } أي: إنهم مسؤلونَ عن امْتِنَاعِهم عن التَّنَاصُرِ؛ وهذا علَىٰ جهة التَّوْبِيخِ، وقرأ خلق «لا تَتَنَاصَرُونَ». * ت *: قال عِيَاضٌ في «المدارك»: كان أبو إسْحَاقَ الجبنياني ظَاهِرَ الحُزْنِ، كثيرَ الدَّمْعَةِ يَسْرُدُ الصِّيَامَ، قال ولده أبو الطاهِر: قال لي أبي: إن إنساناً بقي في آية سنةً لَمْ يَتَجَاوَزْهَا، وهِي قوله تعالى: { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ } فقلتُ له: أَنْتَ هُوَ؟ فَسَكَتَ، فعلمتُ أَنَّه هو، وكانَ إذا دَخَلَ في الصَّلاَةِ: لَوْ سَقَطَ البيتُ الذي هو فيه، ما التَفَتَ، إقبالاً علَىٰ صَلاَتِهِ، وٱشْتِغَالاً بمناجَاة ربِّهِ، وكانَ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ تَضْيِيقاً عَلَىٰ نَفْسِهِ؛ ثم عَلى أَهْلِه، وكان يأكلُ البَقْلَ البَرِّيَّ والجَرَادَ إذا وَجَدَهُ ويَطْحَنُ قُوتَهُ بِيَدِهِ شَعِيراً، ثُم يَجْعَلُهُ بِنُخَالَتِهِ دَقِيقاً في قِدْرٍ مع مَا وَجَدَ مِنْ بَقْلٍ بَرِّيٍّ وَغيرِه، حتَّىٰ إِنّه رُبَّما رَمَى بِشَيْءٍ مِنْهُ لِكَلْبٍ أَو هِرٍّ؛ فَلا يَأْكُلُهُ، وكانَ لِبَاسُهُ يَجْمَعُهُ مِنْ خِرَقِ المَزَابِلِ وَيُرَفِّعُهُ، وَكَانَ يَتَوَطَّأُ الرَّمْلَ، وَفي الشِّتَاءِ يَأْخُذُ قِفَافَ المَعَاصِرِ المُلْقَاةِ على المَزَابِلِ يجعلُها تَحْتَهُ، قال وَلَدُهُ أبو الطَّاهِرِ: وكنَّا إذا بَقِينَا بلا شَيْءٍ نَقْتَاتُهُ، كُنْتُ أَسْمَعُهُ في اللَّيْل يَقُولُ: [البسيط]

مَالِي تِلاَدٌ ولاَ ٱسْتَطْرَفْتُ مِنْ نَشَبوَمَا أُؤمِّلُ غَيْرَ اللَّهِ مِنْ أَحَدٍ
إنَّ الْقُنُوعَ بِحَمْدِ اللَّهِ يَمْنَعُنِيمِنَ التَّعَرُّضِ للمَنَّانَةِ النَّكِدِ

انتهى.