وقولُهُ تَعالَىٰ: { أَذَٰلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ } المرادُ بالآية: تقريرُ قريشٍ والكفارِ، قال * ع *: وفي بعض البلادِ الجَدْبَةِ المجاورةِ للصَّحَارَى ـــ شجرةٌ مُرَّةٌ مَسْمُومَةٌ لَهَا لَبَنٌ، إنْ مَسَّ جِسْمَ أَحَدٍ؛ تَوَرَّمَ وَمَاتَ مِنْهُ في أغلب الأمْرِ؛ تُسَمَّى شجَرَةَ الزَّقُّومِ، والتَّزَقُّمُ في كَلاَمِ العَرَب: البَلْعُ عَلَى شِدَّةٍ وَجَهْدٍ.
وقوله تعالى: { إِنَّا جَعَلْنَـٰهَا فِتْنَةً لِّلظَّـٰلِمِينَ } قال قتادة ومجاهد والسُّدِّيُّ: يريد أبا جهل ونظراءه، وقد تقدم بيانُ ذلك.
وقوله تعالى: { كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيـٰطِينِ } اخْتَلَفَ في معناه؛ فقالت فرقة: شَبَّهَ طَلْعَها بثَمَرِ شَجَرَةٍ مَعْرُوفَةٍ يقالُ لَها «رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ»، وهي بناحِيَةِ اليَمَنِ، يقال لها: «الأَسْتَنُ»، وقالت فرقة: شَبَّهَ برُؤُوسِ صِنْفٍ منَ الحيَّاتِ يُقَالُ لها «الشَّياطِين»، وهي ذواتُ أعْرَافٍ، وقالت فرقة: شَبَّه بما اسْتَقَر في النُّفُوسِ مِنْ كَرَاهَةِ رؤوس الشياطين وقُبْحِهَا؛ وإنْ كانَتْ لاَ تُرَى؛ لأن الناسَ إذا وصفوا شَيْئاً بِغَايَةِ القُبْحِ قَالوا: كأنَّه شَيْطَانٌ؛ ونَحوُ هذا قولُ امْرِىءِ القيس:
أَيَقْتُلُنِي وَالمَشْرَفِيُّ مُضَاجِعِيوَمَسْنُونَةٌ زُرْقٌ كَأَنْيَابِ أَغْوَالِ
فإنَّما شَبَّه بما استقر في النفوس من هيئتها، والشَّوْبُ: المِزَاجُ والخَلْطُ؛ قاله ابن عباس وقتادة، والحميم: السُّخْنُ جِدًّا مِن الماء؛ ونحوِهِ، فيريدُ به ههنا شَرَابَهُمْ الذي هو طِينةُ الخَبَالِ صَدِيدُهُمْ وَمَا يَنْماعُ مِنْهُمْ؛ هذا قولُ جماعةٍ من المفسرين. وقوله تعالى: { ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى ٱلْجَحِيمِ } كقوله تعالى:
{ { يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ ءَانٍ } } [الرحمن:44] وقوله سبحانه: { إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ ءَابَاءَهُمْ... } الآيةُ، تمثيلٌ لقريشٍ و{ يُهْرَعُونَ } معناه: يُسْرِعُونَ؛ قاله قتادة وغيره، وهذا تَكَسُّبُهُمْ للكفرِ وحِرْصُهم عليه.