التفاسير

< >
عرض

وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ ٱلْحِكْمَةَ وَفَصْلَ ٱلْخِطَابِ
٢٠
وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُاْ ٱلْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواْ ٱلْمِحْرَابَ
٢١
إِذْ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُواْ لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَٱحْكُمْ بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَٱهْدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَاطِ
٢٢

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ }: عبارةٌ عامَّةٌ لجميعِ مَا وَهَبَه اللَّه تَعالى من قوَّةٍ وجندٍ ونعمةٍ، { وَفَصْلَ ٱلْخِطَابِ }، قال ابن عباس وغيره: هو فَصْلُ القَضَاءِ بَيْنَ الناسِ بالحقِ وإصابتُه وفَهْمُه، وقال الشعبي: أرادَ قَوْلَ «أمَّا بَعْدُ» فإنه أَوَّلُ مَنْ قَالَها، قال * ع *: والذَّي يُعْطِيهِ اللفظُ أنَّه آتاه فَصْلَ الخطابِ، بمعنى أنَّه إذا خَاطَبَ في نَازِلةٍ، فَصَلَ المَعْنَىٰ وأوْضَحَهُ، لا يأْخذُهُ في ذلك حَصَرٌ وَلا ضَعْف.

وقوله تعالى: { وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُا ٱلْخَصْمِ } الآية مخاطبةٌ للنبي صلى الله عليه وسلم، واسْتُفْتِحَتْ بالاسْتِفْهَام؛ تَعْجِيباً مِنَ القصَّةِ وتفخيماً لها، والخصمُ يُوصَفُ بهِ الواحِدُ والاثْنَانِ والجَمْعِ، و{ تَسَوَّرُواْ } معناه: عَلَوْا سُورَهُ، وهو جَمْعُ «سُورَةٍ» وهي القطعةُ من البناء، وَتَحْتَمِلُ هذه الآيةُ أن يكونَ المُتَسَوِّرُ اثْنَانِ فَقَطْ، فَعَبَّرَ عَنْهُما بلَفْظِ الجَمْعِ، ويحتملُ أن يكونَ معَ كلِّ واحدٍ منَ الخَصْمَيْنِ جَمَاعَةٌ، و{ ٱلْمِحْرَابَ } المَوْضِعُ الأرْفَعُ مِنَ القَصْرِ أو المَسْجِدِ، وهو موضع التعبُّد، وإنما فَزِعَ منهم مِنْ حَيْثُ دَخَلُوا من غير الباب، ودون استئذان، ولا خلافَ بَيْن أهلِ التأويلِ أنَّ هذا الخَصْمَ إنما كانوا ملائكةً بَعَثَهُمْ اللَّهُ ضَرْبَ مَثَلٍ لداودَ، فاختصموا إليه في نازلةٍ قَدْ وَقَعَ هُو في نَحْوِهَا، فأَفْتَاهُمْ بِفُتْيَا هِي وَاقِعَةٌ عليه في نازلته، ولَمَّا شَعَرَ وَفَهِمَ المُرَادَ، خَرَّ رَاكِعاً وأَنَابَ، واسْتَغْفَرَ، وأمَّا نَازِلَتُهُ الَّتي وَقَع فِيها، ففيها للقُصَّاصِ تَطْوِيلٌ، فَلَمْ نَرَ سَوْقَ جَمِيعِ ذلكَ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ.

ورُوِيَ فِي ذلكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ما معناه؛ أن دَاوُدَ كَانَ في مِحْرَابِهِ يَتَعَبَّدُ؛ إذْ دَخَلَ عَلَيْهِ طَائِرٌ حَسَنُ الهَيْئَةِ، فَمَدَّ يَدَهُ إليْه؛ ليأخُذَهُ، فَزَالَ مُطْعِماً لَه مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ، حَتَّى اطَّلَعَ عَلَى امْرَأَةٍ لَهَا مَنْظَرٌ وَجَمَالٌ، فَخَطَرَ فِي نَفْسِهِ أنْ لَوْ كَانَتْ مِنْ نِسَائِهِ، وَسَأَلَ عَنْهَا، فَأُخْبِرَ أَنَّهَا امْرَأَةُ أُورِيَّا، وَكَانَ في الجِهَادِ فَبَلَغَهُ أنَّه اسْتُشْهِدَ فَخَطَبَ المَرْأَةَ، وَتَزَوَّجَهَا، فَكَانَتْ أُمَّ سُلَيْمَانَ فِيمَا رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ، فَبَعَثَ اللَّهُ الخَصْمَ لِيُفْتِيَ، قَالَتْ فرقةٌ من العلماء: وإنما وَقَعَتْ المعَاتَبَةُ عَلَىٰ هَمِّهِ، وَلَمْ يَقَعْ مِنْه شَيْءٌ سِوَى الهَمِّ، وكانَ لِدَاوُدَ فِيما رُوِيَ تِسْعٌ وتِسْعُونَ امْرَأَةً، وَفي كُتُبِ بَنِي إسرائيل في هذه القصة صُوَرٌ لاَ تَلِيقُ، وقد قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: مَنْ حَدَّثَ بِما قَالَ هؤلاءِ القُصَّاصُ في أَمْرِ دَاوُدَ، جَلَدْتُهُ حَدَّيْنِ لما ٱرْتَكَبَ مِنْ حُرْمَةِ مَنْ رَفَعَ اللَّهُ قَدْرَهُ.

وقوله: { خَصْمَانِ } تقديرُه: نَحْنُ خصمانِ، و{ بَغَىٰ } معناه: اعْتَدَىٰ واسْتَطَالَ، { وَلاَ تُشْطِطْ } معناه: وَلاَ تَتَعَدَّ في حُكْمِكَ، و{ سَوَاءِ ٱلصِّرٰطِ } معناه: وَسَطُهُ.