التفاسير

< >
عرض

وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ
٦٧
وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ
٦٨
وَأَشْرَقَتِ ٱلأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ وَجِـيءَ بِٱلنَّبِيِّيْنَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِٱلْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
٦٩
وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ
٧٠
وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَـآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ
٧١
قِيلَ ٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَـبِّرِينَ
٧٢
-الزمر

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } معناهُ وما عَظَّمُوا اللَّه حقَّ عظَمتهِ، ولا وَصَفُوهُ بصفاتِهِ، ولا نَفَوْا عَنْهُ مَا لاَ يليقُ به، قال ابن عبَّاسٍ: نزلتْ هذه الآيةُ في كُفَّارِ قُرَيْشٍ الذينَ كَانَتْ هذهِ الآياتُ كلُّها محاورةً لهم، وردًّا عليهم، وقالت فرقة: نزلتْ في قومٍ من اليهودِ تَكَلَّمُوا في صفاتِ اللَّه تعالى، فَأَلْحَدُوا وَجَسَّمُوا وَأَتَوْا بِكُلِّ تَخْلِيطٍ.

وقوله تعالى: { وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ } معناه: في قَبْضَتِهِ، واليمينُ هنا، والقبضةُ عِبارةٌ عَنِ القُدْرَةِ والقُوَّةِ، وما ٱخْتَلَجَ في الصُّدُورِ من غَيْرِ ذَلِكَ بَاطِلٌ و{ فَصَعِقَ } في هذه الآية، معناه: خَرَّ مَيِّتاً، والصُّورُ: القَرنُ، ولا يُتَصَوَّرُ هنا غَيْرُ هذا، ومَنْ يَقُولُ: { ٱلصُّورِ } جمع صُورَةٍ، فإنما يَتَوجَّهُ قولهُ فِي نَفْخَةِ البَعْثِ، وقد تَقَدَّمَ بَيَانُ نَظِيرِ هٰذِهِ الآيةِ في غَيْرِ هذا المَوْضِعِ.

وقوله تعالى: { ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ } هي نفخةُ البَعْثِ، وفي الحديث: "أَنَّ بَيْن النَّفْخَتَيْنِ أربعين" لاَ يَدْرِي أبو هريرةَ سَنَةً أو شَهْراً أَوْ يَوْماً أَوْ سَاعَةً * ت *: ولفظُ مُسْلِمٍ: عن أبي هريرةَ قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم "ومَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ، قَالُوا: يَا أَبا هُرَيْرَةَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ قَالَ: أَبَيْتُ قَالُوا: أَرْبَعُونَ شَهْراً؟ قَالَ: أَبَيْتُ، قَالُوا: أَربَعُونَ يَوماً؟ قالَ: أَبَيْتُ" الحَدِيثَ، قال صَاحِبُ «التَّذْكِرَةِ»: فقيل: معنى قوله: «أَبَيْتُ» أي: ٱمتنعتُ من بَيَانِ ذلك؛ إذْ ليس هو مِمَّا تَدْعُو إليه حاجةٌ، وعلَىٰ هذا كانَ عِنده عِلْمُ ذلك، وقيل: المعنى: أَبَيْتُ أَنْ أَسْأَلَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذٰلِكَ، وعَلَىٰ هذا: فلاَ عِلْمَ عِنْدَهُ، والأَوَّلُ أظْهَرُ، وقد جاء أَنَّ مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعِينَ عَاماً، انتهى، وقد تَقَدَّمَ أنَّ الصحيحَ في المستثنَىٰ في الآيةِ أَنَّهُمُ الشُّهَدَاءُ قَال الشيخُ أبو محمَّدِ بْنُ بُزَيزَةَ في «شرح الأحكام الصغرَىٰ» لعبد الحَقِّ: الذي تلقيناه من شيوخنا المحققين أن العَوالِمَ التي لاَ تَفْنَىٰ سَبْعَةٌ: العَرْشُ، والكُرْسِيُّ، واللَّوْحُ، وٱلقَلَمُ، والجَنَّةُ، والنَّارُ، والأَرْوَاحُ. انْتَهَىٰ.

{ وَأَشْرَقَتِ ٱلأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا } معناه: أضاءت وعَظُمَ نُورُهَا، و{ ٱلأَرْضُ } في هذه الآية: الأرض المُبَدَّلَةُ من الأرْضِ المَعْرُوفَةِ.

وقوله: { بِنُورِ رَبِّهَا } إضَافَةُ مُخلوق إلى خَالقٍ، و{ ٱلْكِتَـٰبُ } كتابُ حِسَابِ الخلائِقِ، وَوَحَّدَهُ على ٱسْمِ الجِنْسِ؛ لأنَّ كلَّ أحَدٍ له كتابٌ عَلى حِدَةٍ، { وَجِـيءَ بِٱلنَّبِيِّيْنَ } أي: لِيَشْهَدُوا عَلَىٰ أممهم، و{ ٱلشُّهَدَاءِ } قيل: هو جمع «شَاهِد» وقيل: هو جمع «شَهِيدٍ» في سبِيلِ اللَّهِ، والأولُ أبْيَنُ في معنى التَّوَعُّدِ، والضميرُ في قوله { بَيْنَهُمْ } عائدٌ على العالم بِأجْمَعِهِ، إذِ الآيةُ تدلُّ عليهم، و{ زُمَراً } مَعْنَاهُ: جماعاتٍ متفرقةً، واحدتها: زُمْرَة.

وقوله: { فُتِحَتْ } جوابُ «إذَا»، والكَلاَمُ هنا يَقْتَضِي أن فَتْحَها إنما يكُونَ بَعْدَ مجِيئِهم، وفي وُقوفِهِم قَبْل فَتْحِها مَذَلَّةٌ لهُمْ، وهَكَذا هي حالُ السُّجُونِ ومَواضِعِ الثِّقَافِ والعَذَابِ؛ بِخلافِ قولِهِ في أَهْلِ الجَنَّةِ { وَفُتِحَتْ }، فالواو مؤذِنَةٌ بأنهم يَجِدُونَها مَفْتُوحَةً كَمَنَازِلِ الأَفْرَاحِ والسُّرُورِ.

وقوله تعالى: { وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ ءَايَـٰتِ رَبِّكُمْ... } الآية، في قوله: { مِّنكُمْ } أعْظَمُ في الحُجَّةِ، أي: رُسُلٌ مِنْ جِنْسِكُمْ؛ لا يَصْعُبُ عليكم مَرَامُهم، ولا فَهْمُ أقوالِهِم.