التفاسير

< >
عرض

رَفِيعُ ٱلدَّرَجَاتِ ذُو ٱلْعَرْشِ يُلْقِي ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ
١٥
يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ
١٦
ٱلْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَـسَبَتْ لاَ ظُلْمَ ٱلْيَوْمَ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ
١٧
وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلأَزِفَةِ إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ
١٨
-غافر

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { رَفِيعُ ٱلدَّرَجَـٰتِ } ويحتملُ أنْ يريدَ بالدرجاتِ صفاتِه العُلَٰ، وعبَّر بما يَقْرُبُ من أفهامِ السامعينَ، ويحتمل أنْ يريدَ: رفيعُ الدرجاتِ التي يُعْطِيها للمؤمنينَ، ويتفضَّلُ بها علَىٰ عبادِهِ المُخْلِصِينَ في جَنَّتِهِ، و{ ٱلْعَرْشِ } هو الجِسْمُ المخلوقُ الأعْظَمُ الذي السمٰواتُ السَّبْعُ والكرسيُّ والأَرَضُونَ فيه كالدنانيرِ في الفَلاَةِ من الأَرْضِ.

وقوله تعالى: { يُلْقِى ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ } قال الضَّحَّاك: الرُّوحُ هنا هُو: الوَحْيُ القُرْآنُ وغيره مما لَمْ يُتْلَ وقال قَتَادَةُ والسُّدِّيُّ: الرُّوحُ: النُّبُوَّة ومكانتُها؛ كما قال تعالى: { { رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } [الشورى:52] وسَمَّىٰ هذا رُوحَاً؛ لأنه تَحْيَا به الأمَم والأزمانُ كما يَحْيَا الجَسَدُ برُوحِهِ، ويحتملُ أَن يكونَ إلقاءُ الرُّوحِ عامًّا لِكُلِّ ما يُنْعِمُ اللَّهُ بِهِ على عبادِهِ المهتَدِينَ في تفهيمه الإيمانَ والمعقولاتِ الشريفةَ، والمُنْذِرُ بيومِ التَّلاقِ على هذا التأويلِ هو اللَّهُ تعالى، قال الزَّجَّاج: الرُّوحُ كُلُّ ما فيهِ حَيَاةُ النَّاسِ، وكُلُّ مُهْتَدٍ حَيٌّ، وكلُّ ضَالٍّ كالمَيتِ.

وقوله: { مِنْ أَمْرِهِ } إنْ جعلته جِنْساً للأمورِ فـ«مِنْ» للتَّبعيضِ أو لابتداءِ الغَايَةِ، وإنْ جَعَلْتَ الأمْرَ مِنْ معنى الكلامِ فـ«مِنْ» إما لابتداءِ الغايةِ، وإمَّا بمعنى الباءِ، ولا تكونُ للتبعيضِ بَتَّةً، وقرأ الجمهور: «لتنذر» بالتاء على مخاطبةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقرأ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وجماعةٌ: «لينذر» بالياء، و{ يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ } معناه: تلاقِي جميعِ العالمِ بعضِهم بعضاً، وذلك أمرٌ لَمْ يَتَّفِقْ قَطُّ قَبْلَ ذَلِكَ اليَوْمِ.

وقوله: { يَوْمَ هُم بَـٰرِزُونَ } معناه في بَرَازٍ من الأَرْضِ يَسْمَعُهُمُ الدَّاعِي ويَنْفُدُهُمُ البَصَرُ.

وقوله تعالى: { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } رُوِيَ أَنَّ اللَّه تعالَىٰ يُقَرِّرُ هٰذَا التقريرَ، ويَسْكُتُ العَالَمُ هَيْبَةً وجَزعاً، فيجيبُ ـــ سبحانه ـــ هو نفسُهُ بقوله: { للَّهِ ٱلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ }، ثم يُعْلِمُ اللَّهُ تعالَىٰ أَهْلَ المَوْقِفِ بأنَّ اليَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نفسٍ بما كسبتْ، وَبَاقِي الآيةِ تَكَرَّر مَعْنَاهُ، فانْظُرْهُ في مواضِعه.

ثم أمر اللَّه تعالى نبيَّه ـــ عليه السلام ـــ بإنْذارِ العَالَمِ وتحذيرِهِمْ مِنْ يومِ القيامةِ وأهوالِه، و«الآزِفَة»: القريبةُ مِنْ أَزِفَ الشيءُ إذا قَرُبَ، و{ ٱلأَزِفَةِ } في الآية: صِفَةٌ لمحذوفٍ قَدْ عُلِمَ واسْتَقَرَّ في النفوس هولُه، والتقديرُ يَوم الساعة الآزفة، أو الطَّامَةُ: الآزفةُ، ونحو هذا.

وقوله ـــ سبحانه ـــ: { إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ } معناه: عندَ الحناجِر، أي قد صَعِدَتْ من شِدَّةِ الهولِ والجزع، والكَاظِمُ الَّذِي يردُّ غيظَهُ وجزعَهُ في صَدْرِهِ، فمعنى الآية: أنهم يَطْمَعُونَ في رَدِّ ما يجدونه في الحناجر، والحال تغالبهم، و{ يُطَاعُ } في مَوْضِعِ الصفةِ لـ{ شَفِيعٍ }؛ لأن التقدير: ولا شفيعٍ مطاعٍ، قال أبو حيان { يُطَاعُ } في مَوْضِعِ صفة لـ{ شَفِيعٍ }، فيحتملُ أنْ يكونَ في موضعِ خَفْضٍ على اللفظِ، أو في موضِع رفعٍ على الموضِعِ، ثم يحتملُ النَّفيُ أنْ يكونَ مُنْسَحِباً على الوصْفِ فقَطْ، فيكونُ ثَمَّ شَفِيعٌ، ولكنَّه لا يُطَاعُ، ويحتملُ أن يَنْسَحِبَ على الموصوفِ وصفتهِ، أي: لا شفيعَ فيطاعَ، انتهى. وهذا الاحتمالُ الأخير هو الصوابُ، قال * ع *: وهذهِ الآيةُ كُلُّها عندي اعتراضٌ في الكلام بليغٌ.