التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ آيَاتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي ٱلنَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِيۤ آمِناً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
٤٠
إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلذِّكْرِ لَمَّا جَآءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ
٤١
لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ
٤٢
مَّا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ
٤٣
-فصلت

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِى ءَايَـٰتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا... } الآية، آيةُ وعيدٍ، والإلحاد: المَيْلُ، وهو هنا ميل عن الحَقِّ؛ ومنه لَحْدُ المَيِّتِ؛ لأنَّه في جانب، يقال: لَحَدَ الرَّجُلُ، وألحد بمَعْنًى.

وٱخْتُلِفَ في إلحادهم هذا: ما هو؟ فقال قتادة وغيره: هو إلحاد بالتكذيب، وقال مجاهد وغيره: هو بالمُكَاءِ والصفير واللغو الذي ذهبوا إليه، وقال ابن عباس: إلحادهم: وَضْعُهُمْ للكَلاَمِ غَيْرَ موضعه، ولفظة الإلحاد تَعُمُّ هذا كُلَّه، وباقي الآية بَيِّنٌ.

وقوله تعالى: { ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ } وعيدٌ في صيغة الأمر؛ بإجماع من أهل العلم.

وقوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلذِّكْرِ... } الآية: يريد بـ{ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } قريشاً، و{ ٱلذِّكْرِ }: القرآن؛ بإجماع.

واختُلِفَ في الخبر عنهم: أين هو؟ فقالت فرقة: هو في قوله: { { أُوْلَـئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } [فصلت:44]، ورُدَّ بكثرة الحائل، وأنَّ هنالك قوماً قد ذكروا بحسن رد قوله: «أولئك ينادون عليهم»، وقالت فرقة: الخبر مُضمَرٌ، تقديره: إنَّ الذين كفروا بالذكر لما جاءهم، هَلَكُوا أو ضَلُّوا، وقيل: الخبر في قوله: { وَإِنَّهُ لَكِتَـٰبٌ عَزِيزٌ } وهذا ضعيف لا يتجه، وقال عمرو بن عُبَيْدٍ: معناه في التفسير: إنَّ الذين كفروا بالذِّكْرِ لما جاءهم كفروا به، وإنه لكتاب عزيز؛ قال * ع *: والذي يَحْسُنُ في هذا هو إضمار الخبر، ولكِنَّهُ عند قوم في غير هذا الموضع الذي قدَّره هؤلاء فيه؛ وإنَّمَا هو بعد { حَكِيمٍ حَمِيدٍ }، وهو أَشَدُّ إظهاراً لِمَذَمَّةِ الكُفَّارِ به؛ وذلك لأَنَّ قوله: { وَإِنَّهُ لَكِتَـٰبٌ } داخل في صفة الذكر المُكَذَّبِ بهِ؛ فلم يتم ذكر المُخْبَر عنه إلاَّ بعد استيفاء وصفِهِ، ووصفَ اللَّه تعالى الكتابَ بالعِزَّةِ؛ لأنه بصحة معانيه مُمْتَنِعٌ الطَّعْنُ فيه والإزراء عليه، وهو محفوظ من اللَّه تعالى؛ قال ابن عباس: معناه: كريمٌ على اللَّه تعالى.

وقوله تعالى: { لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَـٰطِلُ } قال قتادة والسُّدِّيُّ: يريد: الشيطان، وظاهر اللفظَ يَعُمُّ الشيطان، وأنْ يجيء أمْرٌ يُبْطِلُ منه شَيْئاً.

وقوله: { مِن بَيْنِ يَدَيْهِ } معناه: ليس فيما تقدم من الكتب ما يُبْطِلُ شَيْئاً منه.

وقوله: { وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ } أي: ليس يأتي بعده من نَظَرِ ناظر وفِكْرَةِ عاقل ما يبطل شيئاً منه، والمراد باللفظة عل الجملة: لا يأتيه الباطل من جهة من الجهات.

وقوله: { تَنزِيلَ } خبر مبتدإٍ، أي: هو تنزيلٌ.

وقوله تعالى: { مَّا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ }: يحتمل معنيين.

أحدهما: أنْ يكون تسليةً للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عن مقالات، قومه وما يلقَاهُ من المكروه منهم.

والثاني: أنْ يكون المعنَىٰ: ما يقال لك من الوحي، وتُخَاطَبُ به من جهة اللَّه تعالى إلاَّ ما قد قيل للرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ.