التفاسير

< >
عرض

إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَآئِي قَالُوۤاْ آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ
٤٧
وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَدْعُونَ مِن قَبْلُ وَظَنُّواْ مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ
٤٨
لاَّ يَسْأَمُ ٱلإِنْسَانُ مِن دُعَآءِ ٱلْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ ٱلشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ
٤٩
وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَـٰذَا لِي وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَىٰ رَبِّيۤ إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ فَلَنُنَبِّئَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ
٥٠
-فصلت

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ... } الآية، المعنى: إنَّ علم الساعة ووقتَ مجيئها يَرُدُّهُ كُلُّ مؤْمِنٍ متكلِّم فيه إلى اللَّه عز وجل.

وقوله تعالى: { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِى... } الآية، التقدير: واذكر يوم يناديهم، والضمير في { يُنَادِيهِمْ } الأظهر والأسبق فيه للفهم: أنَّه يريد الكفارَ عَبَدَةَ الأوثان، ويحتمل أنْ يريد كُلَّ مَنْ عُبِدَ من دون اللَّه من إنسانٍ وغَيْرِهِ، وفي هذا ضَعْفٌ، وأَمَّا الضمير في قوله: { وَضَلَّ عَنْهُم } فلا ٱحتمالَ لِعَوْدَتِهِ إلاَّ على الكفار، و{ ءَاذَنَّاكَ } قال ابن عباس وغيره: معناه: أعلمناك ما مِنَّا مَنْ يشهدُ، ولا مَنْ شَهِدَ بأنَّ لك شريكاً { وَضَلَّ عَنْهُم } أي: نَسُوا ما كانوا يقولُونَ في الدنيا، ويَدْعُونَ من الآلهة والأصنام، ويحتمل أن يريد: وضَلَّ عنهم الأصنام، أي: تلفت، فلم يجدوا منها نَصْراً، وتلاشَىٰ لهم أمْرُهَا.

وقوله: { وَظَنُّواْ } يحتمل أنْ يكونَ متَّصِلاً بما قبله، ويكون الوقْفُ عليه، ويكون قوله: { مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ } استئنافاً، نفَى أنْ يكُونَ لهم مَلْجَأً أو موضِعَ رَوَغَانٍ، تقول: حَاصَ الرَّجُلُ: إذَا رَاغَ لِطَلَبِ النجاةِ مِنْ شَيْءٍ؛ ومنه الحديثُ: "فَحاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ إلَى الأَبْوَابِ" ، ويكونَ الظَّنُّ على هذا التأويل على بابه، أي: ظَنُّوا أَنَّ هذه المقالة { مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ } مَنْجَاةٌ لهم، أو أمر يموِّهون به، ويحتمل أنْ يكون الوقف في قوله: { مِن قَبْلُ }، ويكون { وَظَنُّواْ } متصلاً بقوله: { مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ } أي: ظنوا ذلك، ويكون الظن على هذا التأويل بمعنى اليقين، وقد تقدَّم البحثُ في إطلاق الظن على اليقين.

* ت *: وهذا التأويلُ هو الظاهرُ، والأوَّلُ بعيدٌ جدًّا.

وقوله تعالى: { لاَّ يَسْـئَمُ ٱلإِنْسَـٰنُ مِن دُعَاءِ ٱلْخَيْرِ } هذه آياتٌ نزلَتْ في كُفَّارٍ، قيل: في الوليد بن المُغِيرَةِ، وقيل: في عُتْبَةَ بنِ رَبِيعَةَ، وجُلُّ الآية يُعْطِي أَنَّها نزلَتْ في كُفَّارٍ، وإنْ كان أَوَّلُها يتضمن خُلُقاً ربما شارك فيها بَعْضُ المؤمنين.

و{ دُعَاءِ ٱلْخَيْرِ } إضافته إضافة المصدر إلى المفعول، وفي مصحف ابن مسعود: «مِنْ دُعَاءٍ بالْخَيْرِ» والخيرُ في هذه الآية المالُ والصحَّةُ، وبذلك تليق الآية بالكفَّار.

وقوله تعالى: { لَيَقُولَنَّ هَـٰذَا لِى } أي: بعملي وبما سعيت ولا يرى أَنَّ النِّعَمَ إنَّما هي فَضْلٌ من اللَّهِ تعالَىٰ؛ قال * ص *: { لَيَقُولَنَّ } قال أبو البقاءِ: هو جَوَابُ الشَّرْطِ، والفاء محذوفةٌ، وقيل: هو جوابُ قَسَمٍ محذوفٍ، قال * ص *: قُلْتُ: هذا هو الحَقُّ، والأَوَّلُ غلَطٌ؛ لأَنَّ القَسَمَ قد تقدَّم في قوله: { وَلَئِنِ } فالجواب له، ولأَنَّ حذف الفاء في الجواب لا يجوزُ، انتهى، وفي تغليط الصَّفَاقُسِيِّ لأبي البقاء نظر.

وقوله: { وَمَا أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً } قولٌ بَيِّنٌ فيه الجَحْدُ والكُفْر، ثم يقول هذا الكافر: { وَلَئِن رُّجِّعْتُ إِلَىٰ رَبِّى }: كما تقولُونَ: «إن لي عنده للحسنى» أي: حالاً ترضيني من مال، وبنين، وغيرِ ذلك، قال * ع *: والأمانيُّ على اللَّه تعالى، وتركُ الجِدِّ في الطاعةِ مذمومٌ لكُلِّ أحد؛ فقد قال عليه السلام: "الكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لَمَا بَعْدَ المَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنِ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّىٰ عَلَى اللَّهِ " .