التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِي ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ٱسَتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ
١٦
ٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ وَٱلْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ
١٧
يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا ٱلْحَقُّ أَلاَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فَي ٱلسَّاعَةِ لَفِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ
١٨
ٱللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْقَوِيُّ ٱلْعَزِيزُ
١٩
-الشورى

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِى ٱللَّهِ... } الآية، قال ابن عباس ومجاهد: نزلت في طائفة من بني إسرائيل هَمَّتْ بردِّ الناس عن الإسلام وإضلالهم، وقيل: نزلت في قريشٍ؛ لأنَّها كانت أبداً تحاول هذا المعنى، و{ يُحَاجُّونَ فِى ٱللَّهِ } معناه: في دين اللَّه أو توحيدِ اللَّه، أي: يحاجُّون فيه بالإبطال والإلحاد وما أشبهه، والضمير في { لَهُ } يحتمل أنْ يعودَ على اللَّه تبارك وتعالى، ويحتمل أنْ يعودَ على الدِّينِ والشرع، ويحتمل أنْ يعودَ على النبي ـــ عليه السلام ـــ و{ دَاحِضَةٌ } معناه: زاهقة، والدَّحْضُ الزَّهقُ، وباقي الآية بَيِّن.

وقوله سبحانه: { ٱللَّهُ ٱلَّذِى أَنزَلَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقِّ } معناه: مضمناً الحق، أي: بالحق في أحكامه، وأوامره، ونواهيه، وأخباره، { وَٱلْمِيزَانَ } هنا: العدل؛ قاله ابن عباس ومجاهد، والناس، وحكى الثعلبيُّ عن مجاهد؛ أَنَّهُ قال: هو هنا الميزان الذي بأيدي الناس، قال * ع *: ولا شَكَّ أَنَّه داخل في العدل وجزء منه.

وقوله تعالى: { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ } وعيدٌ للمشركين، وجاء لفظ «قريب» مُذَكَّراً من حيثُ تأنيثُ السَّاعَةِ ـــ غيرُ حقيقيٍّ ـــ، وإذْ هي بمعنى الوقت.

* ت *: ينبغي للمؤمن العاقل أنْ يتدبَّر هذه الآيةَ ونظائرها، ويقدِّر في نفسه أَنَّه المقصود بها: [البسيط]

لاَهٍ بِدُنْيَاهُ وَالأَيَّامُ تَنْعَاهُوَالْقَبْرُ غَايَتُهُ وَاللَّحْدُ مَأْوَاهُ
يَلْهُو فَلَوْ كَانَ يَدْرِي مَا أُعِدَّ لَه إذَنْ لأَحْزَنَهُ مَا كَانَ أَلْهَاهُ

قال الغَزَّاليُّ في «الإحياء» قال أبو زكريَّا التَّيْمِيُّ: بينما سليمانُ بنُ عبد الملك في المسجد الحرام؛ إذ أُوتِيَ بحَجَرٍ منقوشٍ، فَطَلَبَ مَنْ يَقْرَؤُهُ، فأوتي بِوهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، فإذا فيه: ابنَ آدمَ، إنك لو رأيْتَ قُرْبَ ما بَقِيَ من أَجْلِك، لَزَهِدْتَ في طول أملك؛ وَلَرَغِبْتَ في الزيادَةِ مِنْ عَمَلِك، وَلَقَصَّرْتَ مِنْ حِرْصِكَ وحِيَلِكَ، وإنما يلقاك غَداً نَدَمُك؛ لو قد زَلَّتْ بك قَدَمُك، وأسلمك أَهلُكَ وَحْشَمُك، فَفَارَقَكَ الوَلَدُ والقَرِيب؛ وَرَفَضَكَ الوَالِدُ والنَّسِيب، فلا أَنْتَ إلى دُنْيَاك عائد؛ ولا في حَسَنَاتِك زَائِد، فَٱعْمَلْ ليومِ القيامهْ، قبل الحسرة والندامهْ.

فبكَىٰ سليمان بكاءً شديداً، انتهى،، وباقي الآية بيِّن.

ثم رَجَّى تبارك وتعالى عباده بقوله: { ٱللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ } و{ لَطِيفٌ } هنا بمعنى رفيق مُتَحَفٍّ، والعباد هنا المؤمنون.