التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أَصَـٰبَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ
٣٠
وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ
٣١
وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلْجَوَارِ فِي ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلاَمِ
٣٢
إِن يَشَأْ يُسْكِنِ ٱلرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ
٣٣
-الشورى

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { وَمَا أَصَـٰبَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ } قرأ جمهور القُرَّاء: «فَبِمَا» بفاء، وكذلك هي في جُلِّ المصاحف، وقرأ نافع وابن عامر: «بِمَا» دون فاء، قال أبو علي الفارسيُّ: أصاب من قوله: { وَمَا أَصَـٰبَكُمْ } يحتمل أنْ يكون في موضع جَزْمٍ، وتكون «ما» شرطيةً، وعلَىٰ هذا لا يجوزُ حَذْفُ الفاءِ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، وجَوَّزَ حَذْفَهَا أبو الحَسَنِ الأخْفَشُ، وبعضُ البغداديِّينَ؛ على أَنَّها مُرَادَةٌ في المعنى، ويحتمل أنْ يكون «أصاب» صلة لـــ«مَا»، وتكون «ما» بمعنى «الذي»، وعلى هذا يتجه حذفُ الفاء وثبوتها، لكن معنى الكلام مع ثبوتها التلازم، أي: لولا كَسْبُكُمْ ما أصابتكم مصيبة، والمصيبة إنَّما هي بكسب الأيدي، ومعنى الكلام مع حذفها يجوز أن يكون التلازم، ويجوز أنْ يُعَرَّىٰ منه، قال * ع *: وأَمَّا في هذه الآية، فالتلازم مُطَّرِدٌ مع الثبوت والحذف، وأمَّا معنى الآية، فاختلف الناسُ فيه، فقالت فرقة: هو إخبار من اللَّه تعالى بأَنَّ الرزايا والمصائبَ في الدنيا إِنَّما هي مجازات من اللَّه تعالى على ذنوب المرء وخطاياه، وأنَّ اللَّه تعالى يعفو عن كثير، فلا يعاقب عليه بمصيبة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لاَ يُصِيبُ ابْنَ آدَمَ خَدْشُ عُودٍ، أوْ عَثْرَةُ قَدَمٍ، وَلاَ اخْتِلاَجُ عِرْقٍ إلاَّ بِذَنْبٍ، وَمَا يَعْفُو عَنْهُ أَكْثَرُ" ، وقال مُرَّةُ الهَمَدَانِيُّ: رأيتُ عَلَىٰ ظهر كَفِّ شُرَيْحٍ قُرْحَةً، فقلتُ: ما هذا؟ فقال: هذا بما كَسَبَتْ يَدَيَّ، ويعفو [اللَّه] عن كثير، وقيل لأبي سليمانَ الدَّارَانِيِّ: ما بالُ الفضلاء لا يَلُومُونَ مَنْ أساءَ إليهم؟ فقال: لأَنَّهُمْ يعلَمُونَ أَنَّ اللَّه تعالى هو الذي ٱبْتَلاَهُمْ بذنوبهم، ورَوَى عليُّ بْنُ أبي طَالِبٍ ـــ رضي اللَّه عنه ـــ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال: "مَا أَصَابَكُمْ مِنْ مَرَضٍ، أَوْ عُقُوبَةٍ، أوْ بَلاَءٍ في الدُّنْيَا ـــ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ، وَاللَّهُ أَكْرَمُ مِنْ أنْ يُثَنِّيَ عَلَيْكُمُ الْعُقُوبَةَ في الآخِرَةِ، وَمَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ في الدُّنْيَا، فَاللَّهُ أَحْلَمُ مِنْ أَنْ يَعُودَ فِيهِ بَعْدَ عَفْوِهِ" وقال الحَسَنُ: معنى الآية في الحُدُودِ، أي: ما أصابكم من حَدٍّ من حُدُودِ اللَّه، فبما كسبَتْ أيديكم، ويعفو اللَّه عن كثير، فيستره على العبد حتى لا يُحَدَّ عليه، ثم أَخبر تعالَىٰ عن قُصُورِ ٱبْنِ آدَمَ وَضَعْفِهِ، وأَنَّه في قبضة القدرة لا يعجز طَلَب رَبِّه، ولا يُمْكِنُه الفِرَارُ منه، و«الجواري»: جمع جارية وهي السفينةُ، و { ٱلأَعْلاَمِ }: الجبال، وباقي الآية بَيِّنٌ، فيه الموعظةُ وتشريفُ الصَّبَّارِ الشَّكُورِ.