التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ
٣٨
وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ
٣٩
وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ
٤٠
وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ
٤١
-الشورى

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ } مَدْحٌ لكلِّ مَنْ آمَنَ باللَّهِ، وقَبِلَ شَرْعَهُ، ومَدَحَ اللَّهُ تعالى القَوْمَ الذين أَمْرُهُمْ شورَىٰ بينهم؛ لأنَّ في ذلك اجتماعَ الكلمة، والتَّحَابُّ، واتصالَ الأيْدِي، والتَّعَاضُدَ على الخير، وفي الحديث: "مَا تَشَاوَرَ قَوْمٌ قَطُّ إلاَّ هُدُوا لأَحْسَنِ، مَا بِحَضْرَتِهِمْ" .

وقوله تعالى: { وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ } معناه: في سبيل اللَّه، وبِرَسْمِ الشَّرْعِ؛ وقال ابن زيد قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمْ... } الآية، نزلت في الأَنصار، والظاهر أَنَّ اللَّه تعالى مدح كلَّ مَنِ اتَّصَفَ بهذه الصفةِ كائناً مَنْ كَانَ، وهل حَصَلَ الأنصارُ في هذه الصفة إلا بعد سَبْقِ المهاجرين إليها ـــ رضي اللَّهُ عَنْ جميعهم بِمَنِّه وكرمهِ ـــ.

وقوله عز وجل: { وَٱلَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ ٱلْبَغْىُ هُمْ يَنتَصِرُونَ }: مدح سبحانه في هذه الآية قوماً بالانتصار مِمَّنْ بَغَى عليهم، ورجح ذلك قوم من العلماء وقالوا: الانتصار بالواجب تغيير منكر، قال الثعلبيُّ: قال إبراهيم [النَّخَعِيُّ] في هذه الآية: كانوا يكرهون أَنْ يُسْتَذَلُّوا، فإذا قدروا عفوا، انتهى.

وقوله سبحانه: { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } قيل: سُمِّي الجزاء باسم الابتداء، وإن لم يكن سيئة، لتشابههما في الصورة، قال * ع *: وإنْ أخذنا السيِّئة هنا بمعنى المصيبة في حَقِّ البشر، أي: يسوء هذا هذا ويسوءه الآخر ـــ فلسنا نحتاج إلى أنْ نقول: سمى العقوبة باسم الذنب؛ بل الفعل الأَوَّلِ والآخر سيئة، قال الفخر: اعلم أَنَّهُ تعالى لما قال: { وَٱلَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ ٱلْبَغْىُ هُمْ يَنتَصِرُونَ } أردفه بما يَدُلُّ على أَنَّ ذلك الانتصار يجب أَنْ يكون مُقَيَّداً بالمثل؛ فإنَّ النقصان حَيْفٌ، والزيادة ظلم، والمساواة هو العدل؛ فلهذا السبب قال تعالى: { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } انتهى؛ وَيَدُلُّ على ذلك قوله تعالى: { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } ونحوه من الآي، واللام في قوله: { وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ } لام التقاء القسم.

وقوله: { مِّن سَبِيلٍ } يريد: من سبيل حرج ولا سبيل حكم، وهذا إبلاغ في إباحة الانتصار، والخلاف فيه: هل هو بين المؤمن والمُشْرِكِ، أو بين المؤمنين؟.