التفاسير

< >
عرض

هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ
٦٦
ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ
٦٧
-الزخرف

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { هَلْ يَنظُرُونَ } يعني: قريشاً، والمعنى: ينتظرون و{ بَغْتَةً } معناه: فجأة، ثم وَصَفَ سُبْحَانَه بَعْضَ حالِ القيامة، فقال: { ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ }، وذلك لهولِ مطلعها والخوف المُطِيفِ بالناس فيها؛ يتعادى ويتباغضُ كُلُّ خليل كان في الدنيا على غير تُقًى؛ لأَنَّه يرى أَنَّ الضَّرَرَ دخل عليه من قِبَلِ خليله، وأَمَّا المُتَّقُونَ فَيَرَوْنَ أَنَّ النفْعَ دخَلَ من بعضهم على بعض، هذا معنى كلام عليٍّ ـــ رضي اللَّه عنه ـــ وخَرَّجَ البَزَّارُ عن ابن عَبَّاس قال: "قيل: يا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ جُلَسَائِنَا خَيْرٌ؟ قَالَ: مَنْ ذَكَّرَكُمْ باللَّهِ رُؤْيَتُهُ، وَزَادَكُمْ في عِلْمِكُمْ مَنْطِقُهُ، وَذَكَّرَكُمْ بِاللَّهِ عَمَلُهُ" اهـــ، فمِنْ مِثْلِ هؤلاء تصلُحُ الأُخُوَّةُ الحقيقية، واللَّه المستعانُ، ومن كلام الشيخ أبي مَدْيَنَ ـــ رضي اللَّه عنه ـــ: دليلُ تخليطِكَ صُحْبَتُكَ للمخلِّطين، ودليلُ ٱنقطاعِكَ صُحْبَتُكَ لِلمُنْقَطِعِين، وقال ابن عطاء اللَّه في «التنوير»: قَلَّ ما تَصْفُو لَكَ الطَّاعَات، أو تَسْلَمُ من المخالَفَات، مع الدخول في الأسباب، لاِستلزامها لمعاشرة الأضداد؛ ومخالطة أَهْلِ الغَفْلة والبِعَاد، وأَكْثَرُ ما يعينك على الطاعات رؤيةُ المُطِيعين، وأَكْثَرُ ما يُدْخِلُكَ في الذَّنْبِ رؤيةُ المُذْنِبين، كما قال ـــ عليه السلام ـــ: "المَرْءُ عَلَىٰ دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ" والنفس من شأنها التَّشَبُّهُ والمحاكَاةُ بصفَاتِ مَنْ قارَنَهَا، فصحبةُ الغافلين مُعِينَةٌ لها علَىٰ وجود الغَفْلَةِ، انتهى،، وفي «الحِكَمِ الفارقيَّة»: مَنْ ناسب شَيْئاً انجذب إليه؛ وظَهَرَ وَصْفُهُ عليه، وفي «سماع العُتْبِيَّةِ» قال مالك: لا تصحبْ فاجراً؛ لئلاَّ تتعلمَ من فجوره، قال ابن رُشْدٍ: لا ينبغي أنْ يصحب إلاَّ مَنْ يُقْتَدَى به في دينه وخيره؛ لأَنَّ قرينَ السوء يُرْدِي؛ قال الحكيم: [الطويل]

[إذَا كُنْتَ في قَوْمٍ فَصَاحِبْ خِيَارَهُموَلاَ تَصْحبِ الأَرْدَىٰ فَتَرْدَىٰ مَعَ الرَّدِي]
عَنِ الْمَرْءِ لاَ تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهفَكُلُّ قَرِينٍ بالْمُقَارَنِ يَقْتَدِي

انتهى.

* ت *: وحديث: "المَرْءُ عَلَىٰ دِينِ خَلِيلهِ" أخرجه أبو داود، وأبو بكر بن الخطيب وغيرهما، وفي «المُوَطَّإ» من حديث معاذ بن جبل، قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: قال اللَّه تبارك وتعالى: "وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالمُتَجَالِسِينَ فِيَّ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ والمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ" قال أبو عمر: إسناده صحيحٌ عن أبي إدريس الخولانيِّ عن معاذ، وقد رواه جماعة عن معاذٍ، ثم أسند أبو عمر من طريق أبي مسلم الخولاني، عن معاذ قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "المُتَحَابُّونَ في اللَّه عَلَىٰ مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ في ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إلاَّ ظِلُّهُ" ، قال أبو مسلم: فخرجت فلقيتُ عُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ، فذكرتُ له حديث مُعَاذٍ، فقال: وَأَنا سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ: قَالَ: "حَقَّتْ مَحَبَّتِي عَلَى المُتَحَابِّينَ فِيَّ، وحَقَّتْ مَحَبَّتِي عَلَى المُتَزَاوِرِينَ فيَّ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتي عَلَى المُتَبَاذِلِينَ فيَّ،، والمُتَحَابُّونَ في اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ في ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إلاَّ ظِلُّهُ" انتهى من «التمهيد».