التفاسير

< >
عرض

لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً
١٨
وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَان ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً
١٩
وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـٰذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ ٱلنَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً
٢٠
-الفتح

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله عز وجل: { لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ... } الآية، تشريف لهم ـــ رضي اللَّه عنهم ـــ وقد تَقَدَّمَ القولُ في المبالغة ومعناها، وكان سببَ هذه المبايعة أَنَّ رسول اللَّه ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ أراد أَنْ يبعث إلى مَكَّةَ رجلاً يُبَيِّنُ لهم أَنَّ النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ لا يريد حرباً؛ وإنَّما جاء مُعْتَمِراً، فبعث إليهم خداشِ بن أُمَيَّةَ الخُزَاعِيَّ، وحمله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ على جَمَلٍ له يقال له: الثعلب، فلما كَلَّمَهُمْ عَقَرُوا الجمل، وأرادوا قتل خداش فمنعته الأحابيش، وبلغ ذلك النبيَّ ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ فأراد بَعْثَ عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول اللَّه، إنِّي أخاف قريشاً على نفسي، وليس بِمَكَّةَ من بني عَدِيٍّ أَحَدٌ يحميني، ولكنِ ابعث عثمان؛ فهو أَعُزُّ بِمَكَّةَ مِنِّي، فبعثه النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ فذهب، فلقيه أبان بن سعيد بن العاصي فنزل عن دَابَّتِهِ فحمله عليها، وأجاره حتى بلغ الرسالة، فقالوا له: إنْ شِئْتَ يا عثمانَ أَنْ تطوف بالبيت فَطُفْ به، فقال: ما كنت لأطوفَ حتى يطوفَ به النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ ثم إنَّ بَنِي سعيد بن العاصي حَبَسُوا عثمانَ على جهة المبرة، فأبطأ على النبيِّ ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ وكانتِ الحُدَيْبِيَّةُ من مَكَّةَ على نحو عَشَرَةِ أميال، فصرخ صارخ من عسكر رسول اللَّه ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ: قُتِلَ عثمانُ، فجثا رسول اللَّه ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ والمؤمنون، وقالوا: لا نبرحُ ـــ إنْ كان هذا ـــ حتى نُنَاجِزَ القوم، ثم دعا الناسَ إلى البيعة فبايعوه ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ ولم يَتَخَلَّفْ عنها إلاَّ الجد بن قيس المنافق، وجعل النبيُّ ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ يَدَهُ على يَدِهِ، وقال: هذه يَدٌ لعثمانَ، وهي خير، ثم جاءَ عثمانُ سالماً والشجرة سمرة كانت هنالك ذهبت بعد سنين.

وقوله سبحانه: { فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ } قال الطبريُّ، ومنذر بن سعيد: معناه: من الإيمان وصِحَّتِهِ، والحبِّ في الدين والحِرْصِ فيه، وقرأ الناس: «وَأَثَابَهُمْ» قال هارون: وقد قرأت: «وَآتَاهُمْ» بالتاء بنقطتين، والفتح القريب: خيبر، والمغانم الكثيرة: فتح خيبرَ.

وقوله تعالى: { وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ... } الآية، مخاطبة للمؤمنين، ووعد بجميع المغانم التي أخذها المسلمون ويأخذونها إلى يوم القيامة؛ قاله مجاهد وغيره.

وقولهُ: { فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـٰذِهِ } يريد خيبَر، وقال زيد بن أسلم وابنه: المغانم الكثيرة: خيبر، وهذه إشارة إلى البيعة والتَّخَلُّصِ من أمر قريش، وقاله ابن عباس.

وقوله سبحانه: { وَكَفَّ أَيْدِىَ ٱلنَّاسِ عَنْكُمْ } قال قتادة: يريد كَفَّ أَيديهم عن أهل المدينة في مغيب النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ والمؤمنين، { وَلِتَكُونَ ءَايَةً } أي: علامة على نصر المؤمنين، وحكى الثعلبيُّ عن قتادة أَنَّ المعنى: كَفَّ اللَّه غطفان ومَنْ معها حين جاءوا لنصر خيبَر، وقيل: أراد كَفَّ قريشاً.