التفاسير

< >
عرض

لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوۤاْ إِذَا مَا ٱتَّقَواْ وَآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ
٩٣
يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِٱلْغَيْبِ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٩٤
-المائدة

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ... } الآية: قال ابن عباس وغيره: لما نزل تحريمُ الخَمْر، قال قومٌ من الصحابة: يا رسول اللَّه، كَيْفَ بِمَنْ مات مِنَّا، وهو يشربها، ويأكل المَيْسِرَ، ونحو هذا من القَوْل، فنزلَتْ هذه الآية، وهذا نظيرُ سؤالِهِمْ عَمَّن مات على القبلة الأولَىٰ، والجُنَاحُ: الإثم والحَرَج، والتَّكرار في قوله سبحانه: «اتَّقوا» يقتضي في كلِّ واحدة زيادةً على التي قبلها، وفي ذلك مبالغةٌ في هذه الصِّفَات لهم، وليسَتِ الآيةُ وقفاً علَىٰ مَنْ عمل الصالحاتِ كلَّها، واتقَىٰ كلَّ التقوَىٰ، بل هي لكلِّ مؤمن، وإن كان عاصياً أحياناً؛ إذا كان قد عَمِلَ من هذه الخصالِ المَمْدُوحة ما ٱستحَقَّ به أنْ يوصف بأنه مؤمنٌ عامل للصالحات متَّقٍ في غالبِ أمره، محسنٌ، فليس علَىٰ هذا الصِّنْف جُنَاحٌ فيما طعم ممَّا لم يُحَرَّم عليه، و { طَعِمُواْ }: معناه: ذَاقُوا فصَاعداً في رُتَب الأكل والشُّرب، وقد يستعار للنوم وغيره، وحقيقتُهُ في حاسَّة الذَّوْق.

وقوله سبحانه: { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلصَّيْدِ }، أي: ليختبرنَّكم لِيَرَىٰ طاعتكم مِنْ معصيتكم، وقوله: «بشيءٍ» يقتضي تبعيضاً، و «مِنْ»: يحتمل أنْ تكون للتبعيض، ويحتمل أنْ تكون لبيانِ الجِنْس؛ كقوله تعالى: { { فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَـٰنِ } [الحج:30].

وقوله تعالَىٰ: { لِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِٱلْغَيْبِ }: معناه: ليستمرَّ علمه تعالَىٰ عليه، وهو موجودٌ؛ إذ قد علم تعالَىٰ ذلك في الأزل، و { بِٱلْغَيْبِ }: قال الطبريُّ: معناه: في الدنيا حيثُ لا يَرَى العبْدُ ربَّه، فهو غائبٌ عنه، والظاهر أنَّ المعنَىٰ: بالغَيْب من الناس، أي: في الخَلْوة ممَّن خاف اللَّه. انتهى، قلتُ: وقول الطبريِّ أظهر، ثم توعَّد تعالَىٰ من ٱعتدَىٰ بعد النهْيِ بالعذابِ الأليم، وهو عذابُ الآخرة.