التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ قَرِينُهُ هَـٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ
٢٣
أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ
٢٤
مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ
٢٥
ٱلَّذِي جَعَلَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي ٱلْعَذَابِ ٱلشَّدِيدِ
٢٦
قَالَ قرِينُهُ رَبَّنَا مَآ أَطْغَيْتُهُ وَلَـٰكِن كَانَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ
٢٧
قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِٱلْوَعِيدِ
٢٨

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { وَقَالَ قَرِينُهُ هَـٰذَا مَا لَدَىَّ عَتِيدٌ } قال جماعة من المفسرين: يعني قرينه من زبانية جهنم، أي: قال هذا العذاب الذي لدي لهذا الكافر، حاضر، وقال قتادة وابن زيد: بل قرينه المُوَكَّلُ بسوقه، قال * ع *: ولفظ القرين اسم جنس، فسائقه قرين، وصاحبُه من الزبانية قرين، وكاتب سيئاته في الدنيا قرين، والكُلُّ تحتمله هذه الآية، أي: هذا الذي أحصيتُهُ عليه عتيد لَدَيَّ، وهو مُوجِبُ عذابه، والقرين الذي في هذه الآية غيرُ القرين الذي في قوله: { قَالَ قرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ } إذ المقارنة تكون على أنواع.

وقوله سبحانه: { أَلْقِيَا فِى جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ } المعنى: يقال: أَلْقِيَا في جهنَّمَ، واخْتُلِفَ لمن يُقَالُ ذلك، فقال جماعة: هو قول لِمَلَكَيْنِ من ملائكة العذاب.

وقال عبد الرحمن بن زيد: هو قول للسائق والشهيد.

وقال جماعة من أهل العلم باللغة: هذا جارٍ على عادة كلام العرب الفصيح أنْ يُخَاطَبَ الواحدُ بلفظ الاثنين؛ وذلك أَنَّ العربَ كان الغالبُ عندها أنْ يترافق في الأسفار ونحوها ثَلاَثَةٌ، فَكُلُّ واحد منهم يخاطِبُ اثنين، فَكَثُرَ ذلك في أشعارها وكلامها، حَتَّى صار عُرْفاً في المخاطبة، فاسْتُعْمِلَ في الواحد، ومن هذا قولهم في الأشعار:[من الطويل]

خَلِيلَيَّ.......................................
وصَاحِبَيَّ...........................................

[ومن الطويل]

قِفَانَبْكِ...............................................

ونحوه.

وقال بعض المتأولين: المراد «أَلْقِيَنْ»، فَعُوِّضَ من النون ألفٌ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن: «أَلْقِياً» بتنوين الياء، و«عنيد» معناه: عَانِدٌ عن الحق، أي: مُنْحَرِفٌ عنه.

وقوله تعالى: { مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ } لفظ عامٌّ للمالِ والكلام الحَسَنِ والمُعَاوَنَةِ على الأشياء، و{ مُعْتَدٍ } معناه: بلسانه ويده.

وقوله سبحانه: { ٱلَّذِى جَعَلَ مَعَ ٱللَّهِ... } الآية، يحتمل أنْ يكون { ٱلَّذِى } بدلاً من { كَفَّارٍ }، أو صفةً له، وَيَقْوَى عندي أَنْ يكونَ { ٱلَّذِى } ابتداءً ويتضمن القولُ حينئذ بني آدم والشياطينَ المغوينَ لهم في الدنيا، ولذلك تَحَرَّكَ القرينُ، الشيطانُ المُغْوِي، فرام أَنْ يُبْرِىءَ نفسه ويخلصها بقوله: { رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ }.

وقوله: { رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ } ليست بحجة؛ لأَنَّهُ كَذَبَ أَنْ نفى الإطغاء عن نفسه جملةً، وهو قد أطغاه بالوسوسة والتزيينِ، وأَطغاه اللَّه بالخلق والاختراع حسب سابق قضائه الذي هو عدل منه، سبحانه لا رَبَّ غيرُه.

وقوله سبحانه: { لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ } معناه: قال اللَّه: لا تختصموا لديَّ بهذا النوع من المقاولة التي لا تفيد شيئاً { وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِٱلْوَعِيدِ } وهو ما جاءت به الرسلُ والكتب، وجُمِعَ الضمير؛ لأَنَّه مخاطبة لجميع القرناء؛ إذ هو أمر شائع لا يقف على اثنين فقط.