التفاسير

< >
عرض

هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ
٣٢
مَّنْ خَشِيَ ٱلرَّحْمَـٰنَ بِٱلْغَيْبِ وَجَآءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ
٣٣
ٱدْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلُخُلُودِ
٣٤
لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ
٣٥
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً فَنَقَّبُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ
٣٦
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ
٣٧

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ } يحتمل أنْ يكونَ معناه: يقال لهم في الآخرة عند إزلاف الجنة: هذا الذي كنتم توعدون به في الدنيا، ويحتمل أنْ يكون خطاباً لِلأُمَّةِ، أي: هذا ما توعدون أَيُّها الناس { لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ }: والأَوَّابُ: الرَّجَّاعُ إلى الطاعة وإلى مراشد نفسه، وقال ابن عباس وعطاء: الأَوَّابُ: المُسَبِّحُ؛ من قوله: { { يَٰجِبَالُ أَوِّبِى مَعَهُ } [سبأ:10] وقال المُحَاسِبِيُّ: هو الراجع بقلبه إلى ربه، وقال عبيد بن عمير: كُنَّا نتحدث أَنَّه الذي إذا قام من مجلسه استغفر اللَّه مِمَّا جرى في ذلك المجلس، وكذلك كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يفعل، والحفيظ معناه: لأوامر اللَّه، فيمتثلها، ولنواهيه فيتركها، وقال ابن عباس: حفيظ لذنوبه حَتَّى يرجعَ عنها، والمُنِيبُ: الراجع إلى الخير المائِلُ إليه؛ قال الدَّاوُودِيُّ: وعن قتادَةَ { بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ } قال: مُقْبِلٌ على اللَّه سبحانه، انتهى.

وقوله سبحانه: { ٱدْخُلُوهَا } أي: يقال لهم: ادخلوها.

وقوله عز وجل: { لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } خبر بأَنَّهم يُعْطَوْنَ آمالهم أجمع، ثم أبهم تعالى الزيادةَ التي عنده للمؤمنين المُنَعَّمِينَ، وكذلك هي مُبْهَمَةٌ في قوله تعالى: { { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ } [السجدة:17] وقد فسر ذلك الحديثُ الصحيحُ، وهو قوله ـــ عليه السلام ـــ: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ: مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، بَلْهَ مَا اطَّلَعْتُمْ عَلَيْهِ" قال * ع *: وقد ذكر الطبريُّ وغيره في تعيين هذا المزيد أحاديثَ مطولة، وأشياءَ ضعيفةً؛ لأَنَّ اللَّه تعالى يقول: { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ } وهم يعينونها تكلفاً وتعسفاً.

وقوله تعالى: { فَنَقَّبُواْ فِى ٱلْبِلَـٰدِ } أي: ولجوا البلادَ من أنقابها؛ طمعاً في النجاة من الهلاك { هَلْ مِن مَّحِيصٍ } أي: لا محيصَ لهم، وقرأ ابن عباس وغيره: «فَنَقِّبُوا» على الأمر لهؤلاء الحاضرين.

* ت *: وعبارة البخاريِّ «فَنَقَّبُوا»: ضربوا، وقال الداودي: وعن أبي عبيدةَ { فَنَقَّبُواْ فِى ٱلْبِلَـٰدِ }: طافوا، وتباعدوا، انتهى.

وقوله تعالىٰ: { إِنَّ فِى ذَلِكَ } يعني: إهلاك مَنْ مضى { لَذِكْرِى } أي: تذكرة، والقلبُ عبارة عن العقل؛ إذْ هو مَحِلُّهُ، والمعنى: لمن كان له قلب واعٍ ينتفعُ به، وقال الشبليُّ: معناه: قلب حاضر مع اللَّه، لا يغفلُ عنه طرفةَ عين.

وقوله تعالى: { أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } معناه: صَرَفَ سَمْعَهُ إلى هذه الأنباء الواعظة، وأثبته في سماعها { وَهُوَ شَهِيدٌ } قال بعض المتأولين: معناه: وهو مشاهِد مُقْبَلٌ على الأمر، غيرُ مُعْرِضٍ ولا مُفَكِّرٍ في غير ما يسمع.

* ت *: ولفظ البخاريِّ { أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ } أي: لا يحدث نفسَه بغيره { شَهِيدٌ } أي: شاهد بالقلب، انتهى، قال المُحَاسِبيُّ في «رعايته»: وقد أَحْبَبْتُ أَنْ أَحُضَّكَ على حُسْنِ الاستماع؛ لتدركَ به الفهمَ عن اللَّه عز وجل في كُلِّ ما دعاك إليه؛ فإنَّه تعالى أخبرنا في كتابه أَنَّ مَنِ استمع كما يُحِبُّ اللَّهُ تعالى وَيَرْضَى، كان له فيما يستمع إِليه ذِكْرَى، يعني: اتعاظاً، وإذا سَمَّى اللَّه عز وجل لأحد من خلقه شَيْئاً فهو له كما سَمَّى، وهو واصل إليه كما أخبر؛ قال عز وجل: { إِنَّ فِى ذٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } قال مجاهد: شاهد القلب، لا يُحَدِّثُ نفسَه بشيء ليس بغائب القلب، فَمَنِ استمع إلى كتاب اللَّه عز وجل، أو إلى حكمة، أو إلى علم، أو إلى عِظَةٍ، لا يُحَدَّثُ نفسَه بشيء غيرِ ما يستمع إليه، قَدْ أشهد قَلْبَهُ ما استمع إليه، يريدُ اللَّهَ ـــ عز وجل به ـــ: كان له فيه ذكرى؛ لأَنَّ اللَّه تعالى قال ذلك، فهو كما قال عز وجل، انتهى كلام المحاسبيِّ، وهو دُرٌّ نفيس، فَحَصِّلْهُ، واعملْ به تَرْشُدْ، وقد وجدناه، كما قال، وباللَّه التوفيق.